ينقل بعض الرواة: حججت أيام أبي جعفر (عليه السلام) وجئت إليه في المدينة فدخلت الدار فإذا أبو جعفر (عليه السلام) قائم علىٰ دكان لم يكن فُرِش له ما يقعد عليه، فجاء غلام بمصلى فألقاه له فجلس، فلما نظرت إليه تهيبته ودهشت، فذهبت لأصعد الدكان من غير درجه فأشار إلىٰ موضع الدرجة، فصعدت وسلمت فردّ السلام ومد إليّ يده فأخذتها وقبّلتها ووضعتها علىٰ وجهي وأقعدني بيده فأمسكت بيده مما دخلني من الدهشة فتركها في يدي فلما سكنت خليتها.
واستقبل الناس في حفلة أقيمت تكريماً له أيام الحج، وقد حضرها من فقهاء العراق ومصر والحجاز جمع غفير استقبلهم بقميصين وعمامة بذؤابتين ونعلين.
وينقل عن أبي هاشم قوله: إن أبا جعفر أعطاني ثلاث مئة دينار في مرة وأمرني أن أحملها إلىٰ بعض بني عمه، وقال: أما إنه سيقول لك دلني علىٰ من أشتري بها منه متاعاً، فدلّه، قال: فأتيته بالدنانير، فقال لي يا أبا هاشم، دلني علىٰ عريف يشتري بها متاعاً ففعلت.
وعن أحد أصحابه الذي كان يدعى (ابن حديد) قال: خرجت مع جماعة حجاجاً، فقطع علينا الطريق، فلما دخلت المدينة لقيت أبا جعفر (عليه السلام) في بعض الطريق، فأتيته إلىٰ المنزل فأخبرته بالذي أصابنا، فأمر لي بكسوة وأعطاني دنانير وقال: فرّقها علىٰ أصحابك علىٰ قدر ما ذهب، فقسمتها بينهم فإذا هي علىٰ قدر ما ذهب منهم لا أقل ولا أكثر.
وقال بعضهم: جئت إلىٰ أبي جعفر (عليه السلام) يوم عيد فشكوت إليه ضيق المعاش، فرفع المصلى وأخذ من التراب سبيكة من ذهب فأعطانيها فخرجت بها إلىٰ السوق فكانت ستة عشر مثقالاً (52).
وقال عمر بن الريّان: احتال المأمون علىٰ أبي جعفر (عليه السلام) لكي يهوي به إلىٰ مزالق الفساد فينقص من كرامته وهيبته لدى الناس جميعاً فاحتال بكل حيلة فلم يمكنه في شيء، فلما أراد أن يثني عليه ابنته جاء بمئة وصيفة من أجمل ما يكون، ودفع إلىٰ كل واحدة منهن جاماً فيه جوهر يستقبلن أبا جعفر (عليه السلام) إذا قعد في موضع الأختان، فلم يلتفت الإمام (عليه السلام) إليهن، وكان رجل يقال له مخارق صاحب صوت وعود وضرب، طويل اللحية فدعاه المأمون فقال: إن كان في شيء من أمر الدنيا فأنا أكفيك أمره، فقعد بين يدي أبي جعفر فشهق شهقة اجتمع إليه أهل الدار، وجعل يضرب بعوده ويغني، فلما فعل ساعة وإذا أبو جعفر لا يلتفت لا يميناً ولا شمالاً، ثم رفع رأسه إليه وقال: اتق الله يا ذا العثنون (أي اللحية) فسقط المضراب من يده والعود، فلم ينتفع بيده إلىٰ أن مات .(53)
وجاء بعض أصحاب أبيه، وقد كان حديثاً في السن، وحمل معه شيئاً مما يلعب به الأطفال، فيقول لما جئته ووقفت أمامه مسَلماً لم يأذن لي بالجلوس، فرميت بما كان معي بين يديه فغضب علي وقال: ما لهذا خلقنا.ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
52- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 50، ص 49.
53- الوافي، الفيض الكاشاني، ج 3، ص 828.