العلم والعمل

158 15 0
                                    

ينقل المرجع الراحل الإمام السيد محمد الشيرازي رضوان الله عليه: لقد كان الوالد (قدس سره) يحثّني كثيراً علىٰ المطالعة ومواصلة الدراسة، وكان يقول لي عن نفسه: إنه كان إبّان اشتغاله بالدرس لا ينام في الليل والنهار إلا ما يقارب الساعتين فقط، وكان إلىٰ جانب الدرس يحفظ القرآن عن ظهر الغيب، وكان قد خصص وقتاً لذلك في الليل وعلىٰ ضوء القمر، حيث لم يكن آنذاك برق وكانت أمورهم عسرة لا تسمح لهم بتوفير سراج للمطالعة في ضوئه، وكان في النهار مشتغلاً بالدرس والبحث ولذلك كان لا يتمكّن من حفظ القرآن إلا ليلاً، وكان (قدس سره) يقول: إنه قد أخذ عهداً علىٰ نفسه منذ أوائل بلوغه أن يجتنب بتوفيق من الله تعالىٰ كل التي يمكن أن يُبتلى بها طالب العلم، من حب الصدارة في المجالس، وحبّ الغلبة علىٰ المباحث في أثناء البحث، وحب الجاه والمقام، وبيع الآخرة بالدنيا وما أشبه ذلك، وقد رأيته بنفسي أنه (قدس سره) كان ملتزماً بعهده، موفياً لوعده، إلىٰ آخر عمره.
وقد صادف ذات مرّة أن كنت بخدمته وذلك حين رجوعه من النجف الأشرف إلىٰ كربلاء المقدسة، وبعد أن زرنا الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في إحدى المناسبات الخاصة بزيارته (عليه السلام)، إذ توقّفت السيارة في الطريق قرب النخيلة لنفاد وقودها، فأخذ الوالد (قدس سره) يتمشى ويتلو القرآن عن ظهر الغيب حفظاً - حيث كان حافظاً له - واستمر إلىٰ الفجر علىٰ عمله ذلك، ولما سألته عن المقدار الذي قرأه من القرآن، قال: ثمانية أجزاء.
وقد كان (قدس سره) ملتزماً بعدم النوم بين الطلوعين، وكان يتلو كل يوم بعد صلاة الصبح جزءاً من القرآن الكريم، بالإضافة إلىٰ الأدعية اليوميّة المأثورة.
وكان من سيرته: أن ينقل صلاة جماعته في أيّام الزيارة - حيث يتوافد الزوّار علىٰ كربلاء المقدّسة - من الصحن الشريف إلىٰ المسجد أو الحسينية، وكان يقول: لا أحب أن أزاحم الزائرين.
وكان في أوائل إمامته للجماعة يصلّي صلاة الصبح في الحرم الحسيني (عليه السلام) وراء الضريح المقدّس، ثم نقل جماعته من ذلك المكان الطاهر حتى لا يسبّب مزاحمة الزائرين.
وكان (قدس سره) قد فتح لنفسه حساباً خاصاً مع الإمام المهدي (عجّل الله تعالىٰ فرجه الشريف) حتى إنه كان لا يغيب عن ذهنه، ولا يغفل عن ذكره، وكان يذهب عصر كلّ يوم جمعة، إلىٰ مكان خلوة من سطح أو نحوه، ويتوجّه إلىٰ الإمام (عليه السلام) بقلبه، ويناجيه بسره، ويتوسّل إلىٰ الله تعالىٰ بتعجيل فرجه، وتسهيل ظهوره، ويقرأ الأدعية الواردة في ذلك.
وكان (قدس سره) حليماً صبوراً علىٰ أذى الناس، ويعفو عنهم. ففي ذات مرّة كتب إليه شخص كتاباً ذكر فيه شتائم كثيرة، وكان قد صَدَّرهُ بكلمة قاسية جدّاً، فامتقع لونه عند مطالعته، لكنه أجرى الحوقلة علىٰ لسانه وسرِّي عنه.

 

قصص اخترتها لكمحيث تعيش القصص. اكتشف الآن