روي عن الإمام الحسن بن علي (عليهما السلام) قال: وفد أعرابي علىٰ المدينة فسأل عن أكرم الناس بها فدُلَّ علىٰ الحسين (عليه السلام) فدخل المسجد فوجده مصلّياً فوقف بإزائه وأنشأ:
لم يخب الآن مَنْ رجاكَ ومَنْ
حرَّكَ من دون بابكَ الحلقهْأنتَ جوادٌ وأنتَ معتمدٌ
أبوكَ قد كانَ قاتلَ الفسقهْلولا الذي كانَ من أوائلكمْ
كانت علينا الجحيمُ منطبقهْقال: فسلم الحسين (عليه السلام) وقال: «يا قنبر هل بقي من مال الحجاز شيء؟» قال: نعم أربعة آلاف دينار. فقال: «هاتها؛ قد جاء مَنْ هو أحقٌّ بها منّا». ثمّ نزع بُرديه ولفَّ الدنانير فيها وأخرج يده من شقِّ الباب؛ حياءً من الأعرابيِّ وأنشأ:
خذها فإنّي إليكَ معتذرٌ
واعلم بأنّي عليك ذو شفقهْلو كانَ في سيرنا الغداةَ عصاً
أمست سمانا عليكَ مندفقهْلكنَّ ريبَ الزمانِ ذو غِيَرٍ
والكفُّ منِّي قليلةُ النفقهْقال: فأخذها الأعرابيُّ وبكى فقال له: «لعلّك استقللت ما أعطيناك؟». قال: لا ولكن كيف يأكل التراب جودك؟ وولّى وهو يقول:
مُطهرونَ نقياتٌ جيوبهمُ
تجري الصلاةُ عليهم أينما ذُكرواوأنتمُ أنتمُ الأعلونَ عندكمُ
علم الكتابِ وما جاءت بهِ السورُمَنْ لم يكن علوياً حينَ تنسبهُ
فما لهُ في جميعِ الناسِ مفتخرُومن أخلاقه (عليه السلام): مرَّ الحسين بمساكين يأكلون في الصفة فقالوا: الغداء. فنزل وقال: «إنّ الله لا يحبّ المتكبّرين». فتغدّى معهم ثمّ قال لهم: «قد أجبتكم فأجيبوني». قالوا: نعم. فمضى بهم إلىٰ منزله فقال للرباب: «أخرجي ما كنت تدّخرين».
قال أنس: كنت عند الحسين (عليه السلام) فدخلتْ عليه جارية فحيّته بطاقة ريحان فقال لها (عليه السلام): «أنت حرّة لوجه الله». فقلتُ له: تجيئك جارية تحييك بطاقة ريحان لا خطر لها فتعتقها؟! قال (عليه السلام): كذا أدّبنا الله قال الله: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٖ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدُّوهَآ﴾ (9) وكان أحسن منها عتقها.ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
9- سورة النساء، الآية: 86.