السيدة حميدة المصفّاة بنت صاعد الأندلسية أم الإمام موسى بن جعفر (عليهما السلام)، ويقال: إنّها بربرية، وقيل: إنّها روميّة. والأرجح أنّها أندلسية. وهي من النساء الأشراف الأعاظم، وكانت تعدّ من التقيّات والورعات والثقات، وقد اعتنى الإمام الصادق (عليه السلام) بتربيتها وتعليمها وتثقيفها حتىٰ صارت عالمة، وفقيهة ومربّية، عُهد إليها تعليم النساء وإرشادهن إلىٰ أحكام الإسلام وعقائده ومفاهيمه وأخلاقه. لقبها: لؤلؤة.
زواجها من الإمام الصادق (عليه االسلام)
روي عن عيسىٰ بن عبد الرحمٰن عن أبيه قال: دخل عكاشة بن محصن الأسدي علىٰ الإمام أبي جعفر الباقر، وكان أبو عبد الله الصادق قائماً عنده، فقال ابن محصن الأسدي للإمام الباقر (عليه السلام): ألا تُزوّج أبا عبد الله الصادق فقد أدرك التزويج؟ فقال الباقر (عليه السلام) وبين يديه صرّة مختومة: «سيجيء نخّاس من أهل البربر ينزل دار ميمون، فنشتري له بهذه الصرّة جارية».
فقال الأسدي: فأتىٰ لذلك ما أتىٰ، فدخلنا علىٰ أبي جعفر الباقر (عليه السلام) فقال: «ألا أخبركم عن النخاس الذي ذكرته لكم؟ قد قدم فاذهبوا واشتروا بهذه الصرّة منه الجارية».
قال الأسدي: فأتينا النخاس، فقال: قد نفد ما كان عندي إلّا جاريتين مريضتين إحداهما أمثل من الأُخرىٰ. قلنا: فأخرجهما حتىٰ ننظر إليهما، فأخرجهما فقلنا: بكم تبيعنا هذه الجارية المتماثلة؟ قال: بسبعين ديناراً، فقلنا له: نشتريها منك بهذه الصرّة ما بلغتْ وما ندري ما فيها!
وكان عنده رجل أبيض الرأس واللحية فقال: فكّوا وزِنوا؟ فقال النخاس: لا تفكّوا، فإنها إن نقصت حبّة من سبعين ديناراً لم أبايعكم! فقال الشيخ: زنوا، وفككنا الخاتم ووزنّا الدنانير، فإذا هي سبعون ديناراً لا تزيد ولا تنقص، فأخذنا الجارية فأدخلناها علىٰ الإمام أبي جعفر الباقر (عليه السلام) وأبو عبد الله الصادق قائم عنده، فأخبرنا الإمام الباقر بما كان، فحمد الله وأثنىٰ عليه ثمّ قال لها: «ما اسمك؟» قالت: حميدة، فقال الإمام (عليه السلام): «حميدة في الدنيا، ومحمودة في الآخرة، أخبريني عنك أبكر، أم ثيب؟»، قالت: بكر، قال الإمام (عليه السلام): «كيف ولا يقع في يد النخّاسين شيء إلّا أفسدوه؟».
قالت: «كان يجيء فيقعد مني مقعد الرجل من المرأة، فيسلط الله عليه رجلاً أبيض الرأس واللحية فلا يزال يلطمه حتىٰ يقوم عنّي... فقال: يا جعفر، خذها إليك، فولدت خير أهل الأرض موسى بن جعفر (عليهما السلام)».
لقد تزوّجها إمامنا الصادق (عليه السلام) وعاشت في كنفه تنعم بالسعادة والبركة في ظلّ الإمامة الوارف، تغترف من علم الإمام وتقواه، وتتزيّن بحلمه وعلمه، وتتعطّر بكماله وأدبه، وتفرّدت من بين ضرّاتها بأُمومة إمامنا أبي الحسن الأول موسى الكاظم (عليه السلام).كراماتها (عليها السلام)
إنّ للسيدة حميدة المصفاة كرامات كثيرة نذكر منها ما يلي:
قال الإمام الباقر (عليه السلام): «حميدة في الدنيا، ومحمودة في الآخرة».
وقال الإمام الصادق (عليه السلام): «حميدة مصفاة من الأدناس كسبيكة الذهب، ما زالت الأملاك تحرسها حتىٰ أُديت إليّ كرامة من الله لي والحجّة من بعدي».
وهذه شهادة من المعصوم علىٰ عظمة هذه السيّدة المنيفة رضي الله عنها.
جدير بالذكر، أنّ هذه المرأة الجليلة كانت رضي الله عنها من جملة أوصياء الإمام الصادق (عليه السلام)، حيث أوصى إمامنا الصادق (عليه السلام) في ساعاته الأخيرة إلىٰ جماعة كانت حميدة رضي الله عنها من جملتهم، ولم يخصّ (عليه السلام) بوصيّته إمامنا الكاظم (عليه السلام)، بل جعله بعد أن دلّ علىٰ إمامته وأكّدها طيلة حياته الشريفة من جملة الأوصياء؛ حفاظاً علىٰ سلامته من بطش المنصور العباسي.
وقد تحقّقت نبوءة الإمام (عليه السلام)؛ إذ أمر المنصور أبا أيوب النحوي أن يكتب إلىٰ عامله في المدينة بشأن وصيّة الإمام الصادق (عليه السلام) ما هذا لفظه: «إن كان أوصى إلىٰ رجل واحد بعينه فقدّمه واضرب عنقه، قال: فرجع الجواب: أنّه قد أوصى إلىٰ خمسة وأحدهم أبو جعفر المنصور، ومحمد بن سليمان، وعبد الله، وموسى، وحميدة».
وفي خبر آخر أنّ المنصور قال بعد ورود الجواب: «ليس إلىٰ قتل هؤلاء سبيل».
أول امرأة يتزوّجها الإمام الصادق (عليه السلام) وفي سنّ مبكرة من عمره الشريف، ولا يبعد أن يكون في السنة الخامسة عشرة من عمره الشريف أو نحو ذلك كما يفهم من لسان الرواية.