النبي الأعظم (عليه السلام) ونصارى نجران والمباهلة

44 5 0
                                    

قدم علىٰ النبي الله صلّى الله عليه وآله وفد من نصارى نجران (47) ويتقدّمهم ثلاثة من كبارهم: العاقب، ومحسن، والأسقف، ورافقهم رجلان من مشاهير اليهود، جاؤوا ليمتحنوا رسول الله صلّى الله عليه وآله فقال له الأسقف: يا أبا القاسم فذاك موسى مَن أبوه؟
النبي صلّى الله عليه وآله: عمران.
الأسقف: فيوسف من أبوه؟
النبي صلّى الله عليه وآله : يعقوب.
الأسقف: فداك أبي وأُمّي: فأنت مَن أبوك؟
النبي صلّى الله عليه وآله : عبد الله بن عبد المطّلب.
الأسقف: فعيسى مَن أبوه؟
فسكت النبي صلّى الله عليه وآله فنزل جبرائيل فقال: هو روح الله وكلمته.
الأسقف: يكون روح بلا جسد؟
فسكت النبي صلّى الله عليه وآله فأوحى الله إليه: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱلله كَمَثَلِ ءَادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٖ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾ (48) فوثب الأسقف وثبة إعظام لعيسى أن يقال له من تراب ثم قال: ما نجد هذا - يا محمد - في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور، ولا نجد هذا إلّا عندك فأوحى الله إليه: ﴿فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ...﴾  (49) إلىٰ آخره.
فقالوا: أنصفتنا يا أبا القاسم فمتى موعدك؟
قال: بالغداة إن شاء الله.
فلما صلّى النبي صلّى الله عليه وآله الصبح أخذ بيد عليّ وجعله بين يديه، وأخذ فاطمة (عليها السلام) فجعلها خلف ظهره، وأخذ الحسن والحسين عن يمينه وشماله، وقال لهم: إذا دعوتُ فأمِّنوا. ثم برك لهم باركاً. فلما رأوه قد فعل ذلك ندموا وتآمروا فيما بينهم وقالوا: والله إنّه لَنبي، ولئن بَاهَلَنا ليستجيب الله له علينا، فيهلكنا، ولا ينجينا شيء منه إلَّا أن نستقيله.
وذكر الرازي في تفسيره: قال أسقف نجران: يا معشر النصارى! إنّي لأرى وجوهاً لو سألوا الله أن يزيل جبلاً لأزاله بها، فلا تباهلوهم فتهلكوا، ولا يبقى علىٰ وجه الأرض نصراني إلىٰ يوم القيامة.
فأقبلوا حتى جلسوا بين يديه ثم قالوا: يا أبا القاسم أقِلنا. قال صلّى الله عليه وآله: نعم، قد أقلتكم، أما والذي بعثني بالحق لو باهلتكم ما ترك الله علىٰ ظهر الأرض نصرانيّاً إلّا أهلكه.
ذكرنا هذه الواقعة مع رعاية الاختصار، وقد ذكرنا ما تيسّر حول الآية في كتاب (علي من المهد إلىٰ اللحد).
ويكون حديثنا - هنا - حول قوله تعالىٰ: ﴿وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ﴾  فقد أجمع المسلمون أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله لم يأخذ معه من الرجال إلَّا عليّاً (عليه السلام)، ومن الأبناء إلَّا الحسن والحسين (عليهما السلام)، ومن النساء إلاَّ ابنته فاطمة الزهراء (عليها السلام)، ولم يأخذ معه أحداً من زوجاته، وهنَّ في حجراته ولم يأخذ معه إحدى عمّاته كصفية بنت عبد المطلب التي كانت شقيقة أبيه عبد الله، ولم يصطحب معه أم هاني بنت أبي طالب، ولا دعا غيرهن من الهاشميات ولا من نساء المهاجرين والأنصار.
فلو كانت في نساء المسلمين امرأة كفاطمة الزهراء في الجلالة والعظمة والقداسة والنزاهة لدعاها رسول الله صلّى الله عليه وآله لترافقه للمباهلة، مع العلم أنّ الله تعالىٰ أمر نبيّه أن يدعو نساءه بقوله تعالىٰ: ﴿وَنِسَآءَنَا﴾ ولكنّه صلّى الله عليه وآله لم يجد امرأة تليق بالمباهلة سوى ابنته الصدّيقة الطاهرة؛ ولهذا انتخبها.
وقد روى القندوزي الحنفي عن رسول الله صلّى الله عليه وآله أنّه قال: (لو عَلم الله تعالىٰ أنّ في الأرض عباداً أكرم من علي وفاطمة والحسن والحسين لأمرني أن أُباهل بهم، ولكن أمرني بالمباهلة بهؤلاء، وهم أفضل الخَلق).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
47- نجران في مخاليف اليمن من ناحية مكة، قالوا سميت بنجران بن زيدان بن سبأ بن يشجب ابن يعرب بن قحطان لأنه كان أول من عمرها ونزلها.
48- سورة آل عمران، الآية: 59.
49- سورة آل عمران، الآية: 61.
50- سورة آل عمران، الآية: 61.

 

قصص اخترتها لكمحيث تعيش القصص. اكتشف الآن