قال الراوي: خرج علينا رسول الله صلّى الله عليه وآله ذات يوم ونحن في مسجده فقال: مَنْ ها هنا؟
قلت: أنا يا رسول الله وسلمان الفارسي.
فقال: يا سلمان ادعُ لي مولاك علياً، فقد جاءتني فيه عزيمة من رب العالمين.
قال جابر: فذهب سلمان فاستخرج علياً من منزله، فلما دنا من رسول الله صلّى الله عليه وآله خلا به فأطال مناجاته، كل ذلك يسرُّ إليه رسول الله صلّى الله عليه وآله سراً خفياً عنا ووجه رسول الله صلّى الله عليه وآله يقطر عرقاً كنظم الدر يتهلل حسناً.
ثُمَّ قال له لما انصرف من مناجاته: قد سمعت ووعيت فاحفظ يا عليّ. ثُمَّ قال: يا جابر ادعُ عمر وأبا بكر.
قال جابر: فذهبت إليهما فدعوتهما، فلما حضراه قال: يا جابر ادع لي عبد الرحمن بن عوف.
قال جابر: فدعوته، فلما أتاه قال: يا سلمان اذهب إلىٰ بيت أم سلمة فأتني بالبساط الخيبري.
قال جابر: فما لبثنا أنْ جاءنا سلمان بالبساط فأمره أنْ يبسطه ثُمَّ أمر القوم فجلس كل واحد منهم علىٰ ركن من أركانه وكانوا ثلاثة، ثُمَّ خلا رسول الله صلّى الله عليه وآله بسلمان فأطال مناجاته، وأسرَّ إليه سراً خفياً ثُمَّ أمره أن يجلس علىٰ الركن الرابع من البساط.
ثُمَّ قال النبيّ صلّى الله عليه وآله: يا علي اجلس متوسطاً وقل ما أمرتك به فإنك لو قلته علىٰ الجبال لسارت، أو قلته علىٰ الأرض لتقطعت من ورائك، ولطويت كل من بين يديك، ولو كلمت به الموتى لأجابوك بإذن الله.
فقال له بعض القوم: يا رسول الله هذا لعلي خاصة؟
قال: نعم، فاعرفوا ذلك له.
قال جابر: فلما أخذ كل واحد مجلسه اختلج البساط فلم أره إلا ما بين السماء والأرض، فلما رجع سلمان أخبرني أنهم ساروا ما بين السماء والأرض لا يدرون أشرقاً أم غرباً حتَّى انقضَّ بهم البساط علىٰ كهف عظيم عليه باب من حجر واحد.
قال سلمان: فقمت بالذي أمرني به رسول الله صلّى الله عليه وآله.
قال جابر: فقلت لسلمان: ما أمرك رسول الله صلّى الله عليه وآله؟
قال: أمرني إذا استقرَّ البساط مكانه من الأرض وصرنا عند الكهف أن آمر أبا بكر بالسلام علىٰ أهل ذلك الكهف وعلىٰ الجميع، فأمرته، فسلم عليهم بأعلى صوته فلم يردوا عليه شيئاً.
ثُمَّ سلم أخرى فلم يجب، فشهد أصحابه علىٰ ذلك وشهدت عليه، ثُمَّ أمرت عمر فسلم عليهم بأعلى صوته فلم يردوا عليه شيئاً، ثُمَّ سلم أخرى فلم يجب، فشهد أصحابه علىٰ ذلك وشهدت عليه، ثُمَّ أمرت عبد الرحمن بن عوف فسلم عليهم فلم يجب فشهد أصحابه علىٰ ذلك وشهدت عليه.
ثُمَّ قمت أنا فأسمعت الحجارة والأودية صوتي فلم أُجب.
فقلت لعلي: فداك أبي وأمي، أنت بمنزلة رسول الله صلّى الله عليه وآله حتَّى نرجع لك ولك السمع والطاعة، وقد أمرني أنْ آمرك بالسلام علىٰ أهل هذا الكهف آخر القوم، وذلك لما يريد الله لك وبك الشرف من شرف الدرجات.
فقام علي فسلم بصوت خفي فانفتح الباب فسمعنا له صريراً شديداً ونظرنا إلىٰ داخل الغار يتوقَّد ناراً، فملئنا رعباً وولى القوم فراراً.
فقلت لهم: مكانكم! حتَّى نسمع ما يقال، وإنَّه لا بأس عليكم.
فرجعوا، فأعاد علي (عليه السلام) فقال: السلام عليكم أيها الفتية الذين آمنوا بربهم.
فقالوا: وعليك السلام يا عليّ ورحمة الله وبركاته وعلىٰ من أرسلك، بآبائنا وأمهاتنا أنت يا وصيّ مُحَمَّد خاتم النبيّين وقائد المرسلين ونذير العالمين وبشير المؤمنين، أقرئه منا السلام ورحمة الله يا إمام المتقين.
قد شهدنا لابن عمك بالنبوَّة ولك بالولاية والإمامة، والسلام علىٰ مُحَمَّد يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حياً.
قال: ثُمَّ أعاد علي (عليه السلام) فقال: السلام عليكم أيها الفتية الذين آمنوا بربهم وزدناهم هدى.
فقالوا: عليك السلام ورحمة الله وبركاته يا مولانا وإمامنا، الحمد لله الذي أرانا ولايتك وأخذ ميثاقنا بذلك وزادنا إيماناً وتثبيتاً علىٰ التقوى، قد سمع من بحضرتك أنَّ الولاية لك دونهم وسيعلم الذين ظلموا أيَّ منقلب ينقلبون.
قال سلمان: فلما سمعوا ذلك أقبلوا علىٰ علي (عليه السلام) وقالوا: شهدنا وسمعنا فاشفع لنا إلىٰ نبينا ليرضى عنا برضاك.
ثُمَّ تكلم عليٌّ (عليه السلام) بما أمره رسول الله صلّى الله عليه وآله ما درينا أشرقاً أم غرباً
حتَّى نزلنا كالطير الذي يهوي من مكان بعيد وإذا نحن علىٰ باب المسجد، فخرج إلينا رسول الله صلّى الله عليه وآله.
فقال: كيف رأيتم؟
فقال القوم: نشهد كما شهد أهل الكهف ونؤمن كما آمنوا.
فقال: إنْ تفعلوا تهتدوا وما علىٰ الرسول إلا البلاغ المبين، فإنْ لم تفعلوا تختلفوا، فمن وفى وفى الله له، ومن نكص فعلى عقبيه ينقلب، أفبعد المعرفة والحجة؟ والذي نفسي بيده لقد أمرت أنْ آمركم ببيعته وطاعته، فبايعوه وأطيعوه، فقد نزل الوحي بذلك:
﴿يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱلله وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلْأَمْرِ مِنكُمْ﴾ (4).
قال جابر: فبايعناه.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله: إن استقمتم علىٰ الطريقة لعليّ في ولايته أُسقيتم ماء غدقاً، وأكلتم من فوق رؤوسكم ومن تحت أرجلكم، وإنْ لم تستقيموا اختلفت كلمتكم وشمت بكم عدوكم، ولتتبعنَّ بني إسرائيل شيئاً فشيئاً، لو دخلوا جحر ضب لتبعتموهم فيه!
وطوبى لمن تمسَّك بولاية عليٍّ من بعدي حتَّى يموت، وبلغني وأنا عنه راضٍ.
قال جابر: وكان ذهابهم ومجيئهم من زوال الشمس إلىٰ وقت العصر (5).ــــــــــــــــــــ
4- سورة النساء، الآية: 59.
5- انظر: الأصول الستة عشر، ص 131. وبحار الأنوار، للمجلسي، ج 57، ص 125.