يقال: إن رجلاً من المسلمين كان قد اشترك في إحدى الحروب وأبلى في ساحات الحرب بلاءً حسناً، فلما جنّ عليه اللّيل وقد أخذ منه العناء والتعب كلّ مأخذ قصد خيمته ليستريح فيها قليلاً وليستعيد نشاطه وقواه حتّى يعيد الكرّة علىٰ العدوّ.
فلما دخل الخيمة واستلقى لينام وإذا به يرى قرآناً قد علّق علىٰ عمود الخيمة، وهذا العمل كان متعارفاً آنذاك بين المسلمين حيث كانوا يعظّمون القرآن ويتلون آياته، ويعملون بأحكامه، ويهتمّون بتفسيره، ويتبرّكون به، ويطلبون النصر بسببه، والحفظ من البلايا ببركته، فكانوا ينصبونه علىٰ عمود الخيمة، وإنّي شاهدتُ ذلك في كربلاء المقدّسة أيّام شهر محرّم حين كانوا ينصبون الخيام في صحني الإمام الحسين وأخيه العباس (عليهما السلام) لإقامة العزاء في أيّام عاشوراء، فكانوا ينصبون القرآن علىٰ عمودها لضمان سلامتها، ولكن اليوم ومع الأسف قد ذهبت تلك العادات الحسنة بذهاب أصحابها وقد تغيّرت البلاد ومن عليها.
فلما رأى ذلك الرجل المجاهد القرآن منصوباً علىٰ عمود الخيمة وقد استلقى لينام وليزيح عن نفسه أتعاب يومه وما أصابه من نصب وإعياء، فكّر في نفسه قائلاً: لو كان القائد في الخيمة مكان هذا القرآن، هل كنت أسمح لنفسي بالنوم أمامه رغم كل ما أصابني من جهد وعناء؟
ثم قال: كلّا، كيف والقرآن أعظم من القائد ومن الملك ومن كلّ أحد؟
ثم قام فجلس، فلما جلس فكّر في نفسه ثانية وقال: هب لو كان مكان هذا القرآن، القائد في الخيمة، فهل كان يحسن بي الجلوس أمامه؟ أم كان عليَّ أن أقف رغم كل ما أحسّه من تعب معظماً له.
ثم أجاب في نفسه: بل كنتُ أمتثل بين يديه تعظيماً. فقام ووقف منتصباً بين يدي القرآن.
ثم فكّر في نفسه ثالثة وقال: المثول بين يدي القائد يجب أن يكون باحترام، فكيف بالمثول بين يدي القرآن؟ فوضع يده علىٰ صدره ووقف علىٰ هذه الحالة بين يدي القرآن حتّى الصباح، وذلك رغم كلّ ما كان يعانيه من تعب ونصب ومسيس الحاجة إلىٰ النوم والاستراحة.
وفي أثناء وقوفه ذلك أخذته غفوة فرأى في المنام هاتفاً يبشّره ويقول له: إنك وذرّيتك ستنال الحكم والملوكيّة ردحاً من الزمن جزاءً لك علىٰ احترامك للقرآن الكريم.
وهكذا كان، فقد أصبح هو ملكاً وبقيت الملوكيّة في ذرّيته وعقبه ردحاً من الزمن.