البارت الثانى
راجية بدموع : فى الحقيقة انا الوحيدة التى افصحت لى سما عن حقيقته وخافت ان تعترف امامك حتى لا تزداد كراهيتك للرجال لانها كانت تود ان تغيرى نظرتك فيهم لتستطيعى ان تبداى حياة دون الخوف منهم
عنود وقد بدات انفاسها تختنق : ارجوكى يا راجية اجيبينى هل كل ما كنت اعتقده كان وهم وانه لم يحبها
لااجية : ليس كما تخيلتى بل افهمينى فسما قد عاشت معه اسعد سنة قضتها فى حياتها وان كان اجلها امهلها الوقت لكانت عاشت اجمل حياة فهو كان معها ونعم الرجل والزوج وعاملها احسن معاملة بل لا انكر انه الوحيد الذى عاملها كانثى ولكنها كانت تعلم ان قلبه كان فى مكان اخر يحب اخرى ولكن من هى لا تعلم ولكنها لم تحاول ان تفاتحه فى الموضوع بل صبرت وكفاها معاملته لها
اغمضت عنود عينيها فى ياس وقالت فى سرها : اعلم يا سما من هى حبيبته فهى ولاء ابنة خالته فقد كان يحبها حبا جما ولكن اعذرينى لم اخبرك بالحقيقة ظنا منى انه قد نسيها عندما اقدم على الزواج منكى ولكنى فجعت الان لانى علمت انكى من عرضتى نفسك عليه وانه لازال يحبها
.......
ظلت العنود يومان كاملان يائسة ومما زاد من ضيقها انها على مدار اليومين حاولت ان تنسى موضوع زوج اختها ولم تعرف ان كانت تبغضه لانه لازال يحب ولاء ام توقره لانه عامل سما معاملة طيبة رغم عدم حبه لا
حاولت ان تكتب للغول ولكنه لم يرد عليها اطلاقا طيلة اليومين
تملك الياس منها ثانية ومما زاد البلة ان ابن عمها اخذ يطرق عليها الباب بشدة لتفتح له وما ان فتحت وهى خائفة الا وقد وجدته فى حالة سكر واخذ يهينها على انها تعتبره عاهة وانها رفضت الزواج منه واقسم له انه سيجبرها ان تاتى اليه ذليلة وهم ان يهجم عليها الا انها صرخت وقد تجمع الناس على صريخها واحالوا بينهما ولكنهم بالطبع لم ياذوه لانه من اغنياء القرية
اغلقت على نفسها الباب واخذت تبكى وتحاول ان تكتب للغول ولكن الوضع لم يتغير وفى النهاية كتبت ( الوداع قد اكتب اليك ثانية او لا ولكنى احببت ان تكون اخر من تكتب له يدى فانا ذاهبة للغول لاقتله فقد دمر حياتى لانه قتل امى وسندى وتركنى وحيدة وسط غابة من الرجال )
كانت هذه اول مرة يبعد عنها الغول ولا يقرا رسائلها
انتظرت حتى حل الليل وبدات تخطوا اولى خطواتها نحو القصر اللعين قصر الغول وللوهلة الاولى توقفت امام بوابته وهى ترتعد خوفا فالحق يقال ان منظر القصر وهو مهجور وكله ظلام دامس كافلا ان يبث الرعب فى اقوى الرجال فما بالها وهى انثى ضعيفة ووحيدة
ظلت تشد من ازر نفسها وتدرس البوابة وكيف لها ان تتخطاها كما اخذت تتخيل فما وراء تلك البواة ان نجحت فى اقتحامها ؟ فاخذت تتخيل سيناريويهات لما هو موجود بالداخل
فى ذات اللحظة كان هناك كلب كبير نائم خلف البوابة وبالطبع عنود كانت تجهل وجوده لانها تجهل اى شىء فى الداخل الا انها كانت متوقعه وجوده مثل ما كانت متوقعة اى شىء اخر
اخذت تدور حول سور القصر حتى لمحت ان هناك فتحة بي قضبين حديدين الموجودين اعلى اسوار القصر فتسلقت السور المبنى بالحجارة ثم دخلت من بين القضبين وان عافرت كثيرا حتى ينزلق جسدها لان الفتحة الى حد ما اضيق من جسدها
وما ان فلحت ودخلت القصر الا وفاجاها الكلب بالنباح والركض عليها وبدات معركتها الاولية معه فاخذ يهجم عليها وتهجم عليه ولم تعلم من اين تلك القوة التى تشبعت بها وربما لانها شعرت انه الدفاع الوحيد عن حياتها فاما تنتصر او تموت ومع ذلك اخذت تصرخ وهو يهاجمها فبالطبع كانت مخالبه واسنانه هو الاقوى
وفجاة توقف الكلب عن مهاجمتها على اثر صوت قوى ناداه ادريااان
ابتعد الكلب عنها واخذ يقترب من صاحب الصوت بينما اقترب هو منها واخذ ينظر لها فى الظلام ليعرف ان كان رجل ام امراة
اما هى فعلى الرغم من الجروح التى اصبحت فى مناطق متفرقة من جسدها وعلى الرغم من دماءها التى ينزف الا انها لم تشعر بكل هذا للحظة لان شعورها كان فى اتجاه اخر فكانت تريد انت ترى هذا الغول وما ان وقعت عيناها عليه الا وبدات تحاول ان تركز ولكنها صرخت صرخة مدوية عندما وجدته يوجه الكشاف نحوها ليراها وفجاة اغمى عليها
مرت اربع ساعات وهى فاقدة للوعى وما ان بدات تستعيد وعيها وتفتح عينيها الا وشعرت بيد حنونة تنظف جروحها ففزعت وحاولت ان تقوم من رقدتها بسرعة فسمعت صوته الهادىء يقول لها : اهداى انتى فى امان
نظرت له وللكلب الجالس على رجليه بجوار صاحبه وفى حالة غير تلك التى هاجمها عليها منذ قليل
بدات تنكمش فى نفسها وتنظر حولها ولا تفهم شىء
اعاد عليها كلامه بهدوء وقال : قلت لكى اهداى انتى فى امان
قالت له فى خوف ولازال جسدها يرتعد وكان باردا كما الجليد وقد خرجت منها الحروف متقطعة : انا لا اسمعك فانا عندى عاهة فى السمع فلا اسمع الا الصوت العالى
ابتسم لها وربت على كفها وقال بصوت اعلى : انا اقول اهداى انتى فى امان
قالت بنفس تلعثمها وهى تحدق فيه : اين الغول
ضحك عاليا وقال : انا الغول
انتفضت مفزوعة وسحبت يدها منه وانكمشت فى نفسها وقالت : كيف انت الغول ؟ انت رجل كهل ولكنك وسيم ووقور جدا وحنون كذلك ولم اتخيل ان الغيلان تكون هكذا
الرجل وقد ارتسمت ابتسامة بشوشة على وجهه : ليس هناك اى غول بل هى خرافة
اعتدلت فى جلستها وبدت اكثر هدوءا لان وضع هذا الرجل لا يستدعى الا ان تكون هادئة فقد بدا رجلا حنونا ولم تشعر بانزعاج او تهكم منه عندما اباحت بعاهتها
سالته بهدوء : كيف هى خرافة ثم تذكرت امها فهجمت عليه وامسكته من تلابيبه وقد عاندت وجع جروحها وقالت ناهرة : ايها الغول لقد قتلت امى وسندى الوحيد فى الحياة وشردتنى حتى لم اعد اشعر باى امان فى الحياة من بعدها وان كنت تريد القتل لما لم تقتلنى انا وتتركها هى ام انك تختار صيداتك بعشوائية
كان تاركا لها نفسه لتفعل ما تشاء لعلها تخرج شحنة غضبها وتهدا وتكون بعدها مستعدة ان تستمع لكلامه
بينما كاد الكلب ان ينقض عليها ثانية الا انه استوقفه ثم قاتل بكل هدوء ولكن بصوت عالى لتسمعه : وهل وجدتينى مصاصا للدماء ام انى من اكلى لحوم البشر ؟
تركته وبكت بشدة وقالت : اعلم انك لست كذلك ولكن من الذى امات امى
قال لها مباغتا وبنفس الصوت العالى : الحكومة
توقفت عن البكاء ونظرت له مندهشة وقالت متسائلة : ماذا تعنى بالحكومة ؟
اخذ نفس عميق لشعوره بالارتياح لانه شعر انها بدات تهدا : يا بنيتى انا لم اقتل اى شخص مما قتلوا والذين تظنون انى قاتلهم ولكن هذا الطريق به عيب هندسى فيتسبب فى انحراف السيارات التى تسير بسرعة فتصطدم فى ايا من الاشجار المحيطة بالقصر ولم تكن هذه الحوادث موجودة من قبل لان هذا الطريق كانت لا تمر فيه السيا رات ولكن مع زيادة الناس وزيادة الازدحام بدات السيارات تلجا لهذا الطريق
صمتت قليلا وهكذا فعل هو وظلت تتامله لتكتشف ان كان كلامه صحيحا ام انه يدعى البراءة ولكنها عادت واجابة على نفسها بانه ان كان غولا حقا او هو المتسبب فى قتل كلا من ماتوا لكان الاولى له ان يقتلها وقد اتت له بنفسها لداخل قصره وعند تلك النقطة بدات تتكلم مرة اخرى وقالت : ان لم تكن غولا فلما تعيش هكذا فى قصر مهجور ولما تتحمل قول الناس عليك غولا
ابتسم لها وكانه عاد الى ذاكرته الى ما قبل عشرون عاما ثم تنهد تنهيدة حزينة وقال : يا بنيتى انا كنت طبيبا مشهورا ومرموقا والكل كان يتمنى ان يحادثنى ولكنى اكتشفت بعد فوات الاوان انى قد اعطيت عملى كل حياتى حتى انى لم اتر ك لبيتى واسرتى اى مكان فهجرتهم لافيق على فاجعة كسرة ظهرى فقد كنت متزوجا من امراة عشقته كل العشق وعشنا سنوات عمرنا الاولى فى قمة السعادة وانجبنا ابنى الوحيد انس وبالتقريب هو يضاهيكى فى السن
اخذ نفس عميق اخر ثم اتبع قائلا : حبى لها وحبها لى دفعنى دفعا نحو عملى وكنت مطمئنا لانى تاركا خلفى امراة ليس لها مثيل وانها ستربى ابنى احسن تربية حتى انى فى يوم كنت مسافرا لحضور مؤتمر طبى وعدت منه مبكرا يوم وما ان دخلت بيتى الا وكانت الفجيعة فقد وجدت زوجتى تجلس برفقة رجل اخر وكانت نائمة على كتفه وتشكيى ندمها من زواجها منى وكانت تبكى بحرقة فلم اعرف كيف تمالكت نفسى لاقف منتظرا لاستمع منها بقية شكواها
العنود باهتمام : وماذا سمعت
العجوز قال : لقد كانت تبكى بحرقة وتعترف انها لازالت تحبنى ولكنها لم تعد تحبنى كما كانت وكان حبها لى نتيجة العشرة فقط او ربما لانه اصبح ذكرى طيبة فى حياتها واخذت تقول لعشيقها انى اهملتها وانها وجدت معه هو الاهتمام والشعور انها لازالت حية
اما هو فوجدته يعاهدها انه سيكون لها خير زوج وحبيب واب لابنى وسيعوضهم عما عانوه من اهمالى لهم
صمت لياخذ نفس ولكن عيونه قد ترقرقت بالدموع فلا تعلم العنود اهل هى دموع ندم ام دموع اشتياق ام دموع الم ووجع على ذكرى اليمة ولكنها ظلت صامته كما هى
اما العجوز فاستطرد قائلا : كنت ساطلقها لانى فجعت فيها وكنت انوى ان اخرج من حياتها بكل هدوء فهى وان كانت تستبقى فى قلبها ذكرى طيبة الا انى كنت لا ازال احبها فما كان بيننا ليس بالهين ولكن ما اوجعنى وسلب منى عقلى هو عندما وجدت سليم ابنى يركض نحوه ليطلب منه الحلوى التى اعتاد منه ان يجلبها له ويناديه بابى وعندما رايت سعادته على وجهه علمت وقتها انى قد انتهيت من حياة ابنى كذلك والفضل لها فهى من لوثت افكاره
اخذ ابنى حلواه وتركهما ينعمان بلذة حبهما معا وكانه كان حقا يترك ابيه وامه فلم ادرى بنفسى الا وقد انهلت عليهم وقتلتهم وهربت تاركا ابنى بمفرده
لم اشعر بمصيبتى وما فعلته فقد كنت اشعر انى انتقم لشرفى ولكنى سمعت صوت صرخات ابنى وهو ينظر الى والى امه الملقاه امامه وبالطبع فقد زاد كرهه لى فهربت من امامه لا اعلم الى اين ولكنى جئت بسرعة لملاذى الاخير وهو بيت عائلتى الاصلية هنا فى هذا القصر فانا احد ابناء الباشا الكبير صاحب معظم اراضى هذه البلدة وما ان فلحت فى الوصول الى هنا اقصد البلد وليس القصر اول ما خطر فى بالى انه كان لى تلميذ نجيب ادرس له فى الكلية وكنت اعتبره كابنى حقا وكم تمنيت ان يكون ابنى مثله فقد كان طالبا محنكا ومتميزا فاتصلت به ولم اخاف وانا اعترف له بجريمتى ولانى لم اخيب فيه ظنى فقد اعطانى عنوانه لانه هنا ايضا ولكنه على اطراف البلدة لاذهب اليه على الفور واوانى ليومين وقد ذهبت انا الى بيته بينما ذهب هو الى ابنى ليطمان عليه وباشر تحقيقات الجريمة وعلم انه لم يستدل على القاتل ولحسن الحظ ابنى لم يعترف علي فقد اصيب بصدمة عصبية افقدته الحركة فاصبح مشلولا
وبعدما هدات الامور قليلا ساعدنى ان اصل الى هنا وساعدنى فى ترتيب البيت بعض الشىء حتى يصلح لاقامة فرد حى فيه فقد كان باليا من اثار الزمن والهجر
بكى العجوز اكثر وقال : لقد تسببت فى موت زوجتى وحب عمرى وفى حرمان ابنى من الحياة الطبيعية وكل هذا بسبب جهلى بمعنى الحياة الاسرية التى فهمتها فيما بعد على يد تلميذى النجيب فهو من عرفنى اين كمنت اخطائى فعلى الرغم انه كان تلميذى الا اننى اشعر اننى كثيرا ما اكون انا تلميذه فالعبرة ليست بالسن ولكن فى رجاحة العقل
العنود : واين ابنك الان
العجوز : لازال يعيش معه وعلى الرغم من ان تلميذى هذا قد سافر لسنوات الا انه ترك ابنى وسط عائلته وراعاه حق مراعاه حتى صار شابا الان
عنود : ما اسمك ايها العجوز
العجوز وقد عادت له ابتسامته وقال : اسمى مراد ولكنى احب لقب مراد العجوز كما ينادينى وليد تلميذى النجيب
لاول مرة تبتسم له عنود وقالت : حسنا ساناديك انا ايضا بمراد العجوز ولكن لى سؤال : ما الذى جاء بك الى هنا فى قريتنا هذه فى حين انه كان بمقدورك ان تختبىء فى اى مكان خاصة انك تقول ان البيت لم يكن مؤهلا للعيش قيه البته
مراد : هذا قصر ابى وجدى وكونه غير مؤهلا للعيش كان هو انسب مكان للاختباء اغرورقت عيناه وكانه تذكر شىء وقال القصر مهجورا لانى كنت منشغلا عن زيارته مثل بقية اخوتى وكم كنت انوى ان انجب اطفالا كثيرة لامد فى لقب عائلتى ولكن جهلى هو ما دفن امالى نهائيا فحتى ابنى علمت من سليم انه رافضا موضوع الزواج لشعوره بالنقص
ارايتى كيف فعلت بجهلى فى عائلتى لقد دمرتها وافنيتها بدلا من اعلو بشانها واسمها
عنود : هل وليد تلميذك لازال يزورك؟
مراد : نعم ولكنه لم يعد تلميذا فهو الاخر اصبح طبيبا وبلغ من العمر الثمانية والثلاثون او ربما التاسعة والثلاثون لا اتذكر جيدا
ساد الصمت بينهم مرة اخرى ثم عاد وسالها : لقد عرفتى عنى كل شىء ولم اعرف لما تساهلت معكى هكذا ويجوز لانى شعرت انكى حقا وحيدة تحتاجين لمن يقول لكى انكى افضل حالا منه او لربما رايت فيكى ابنى لانك تقريبا فى نفس عمره انا نفسى لا اعلم ما دافعى لاعترف امامك دون خوف ولكنك لازلتى حتى الان مبهمة امامى فهل عرفتينى بنفسك ؟ هذا ان كان لا يزعجك ان نصير اصدقاء او ربما نصير اب وابنته فما رايك ؟
اخذت نفس عميق وكانها تستجمع كلماتها ومن اين تبدا وقالت : كل الرجال مثلك يظلمون نساءهم وبناتهم وابى لم يختلف عنك كثيرا فهو ايضا قد ضيع عائلته ولكن الفارق انه غيرك فهو لم يندم يوما وانه لم يضيع عائلته لانهماكه فى العمل ولكن لانهماكه فى نزواته مع العاهرات فوفرة المال لديه جعلت منه ذئبا لا ينعم ليله الا فى احضان النساء فاهملنا انا واخوتى وكنت انا اصغرهم وانا اكثرهم كرها له لانى ذقت منه اقسى معاملة فكان دوما ما ينهرنى على كل صغيرة وكبيرة وعندما كنت اشتكى لامى كانت تبرر قسوته بانه يخاف على لانى اجمل اخواتى واشدهن جاذبية فكان دوما ما يشعر انى حيثما كبرت ساجلب له العار وليته عرف انه ان غمرنى بحنانه وعلمنى الخطا من الصواب ما كنت ابدا اعرف للحرام طريق ولكنى تعلمت هذا على يد امى وسندى
قاطعها مراد العجوز قائلا بايتسامة : التى قتلتها انا
نظرت له ولم تعلق ولكن شىء ما بداخلها قد تبدل فلم تعد خائفة منه ولم تعد تشك ولو للحظة فى صدق كلامه
ثم اكملت قائلة : امنت انك لم تقتلها على الرغم من ان العقل يقول ان من قتل مرة يقتل الف مرة ولكن لكل قاعدة شواذها ولعلك تتعجب ان قلت لك انى شعرت بما شعرت انت به وقتها لانى اعرف كيف تكون الغيرة
نظر لها متعجبا وقال : يبدوا انكى من اشد المحبين
عنود : لا ابدا ولكنى امراة واشعر اكثر منك بكيف تكون الغيرة والى اى مدى قد تؤدى
الغول : ولكنك صغيرة على هذا الحديث فمتى احببتى لتشعرين بمرارة الغيرة
العنود : المراة تولد واول ما تشعر به هو العواطف ولكنها تتطور معها بحسب تطور سنها ولكنها موجودة معها منذ البداية
العجوز : انا اكثر الناس علما بهذا فانا طبيب مخ واعصاب واعلم كيف تؤثر العواطف على اعصاب الانسان وعقله واكثر المتاثرين هم النساء
اكملت العنود كلامها وقالت : لقد وصل الحال بامى انها لم تعد تحتمل نزواته العاطفية فى حين كان يزداد جفائه معها هى بالاخص وبالطبع كل انسان وله طاقة وعندما شعرت بنفاذ طاقتها هربت بنا من بيتنا الذى كان ايضا على اطراف القرية الى هنا فهى مسقط راسها وكذلك مسقط راس ابى وعاشت بنا فى منزل ابيها وقد كان خاليا فلم يعد هناك افراد احياء من افراد اسرتها ولكن كان عمى يقطن جوارنا فاستنجدت به واشتكت اخاه فادعى انه سيقف جوارها وسيساندها وطلب منها توكيل واذا به يطلقها من ابى دون علمها بل والاكثر خسة انه جاء ليطلب امى لنفسه واعترف لها انه كان يهواها حتى وهى زوجة اخيه
فهل رايت اكثر من هذا خسة ومن وقتها تاكدت ان كل النساء مثل امى مظلومات وكل الرجال مثل ابى ظالمين
لن انكر انه ساعد امى بالمال وان كان هو حقنا من الاساس ولكنه كان يعطينا اياه وكانه مناً منه علينا ومن يومها ادركت امى انه وجب الا تعتمد عليه فى اى مساعدة وبدات تخطوا اول خطواتها للتحدى فاخذت تعمل من بيتها فى تفصيل الملابس لبنات القرية وبدات اختى سما الكبيرة تعمل هى الاخرى وهى لازالت طفلة صغيرة فاشتد عودها على تحمل المسئوليه حتى انها تطبعت بطباع الرجال نظرا لتحملها المسئولية منذ الصغر حتى انها شبث وهى فاقدة كل معانى الانوثة سواء فى جسدها او حتى فى تصرفاتها وتفكيرها وهذا قد سبب لها الما كبيرا فمن حولها كانوا يعاملونها كما لو كانت رجلا حتى عندما تزوجت لم يعاملها زوجها معاملة طيبة فكان يجبرها على العمل لمساندته فاضاف بهذا فى نظرى نموذج اخر من نماذج الرجال الغير سوية ليرتفع العدد فى حياتى كلما تقدمت بالعمر
قاطعها العجوز قائلا : انتى رايتيهم هكذا لانك اردتى ان تريهم هكذا
نظرت له وقالت مستفهمة : ماذا تقصد ؟
الطبيب : اكملى وسوف اتحدث فى النهاية
استطردت العنود كلامها قائلة : اما راجية اختى فلم تكن افضل حالا من سما وان كانت افضل منها جمالا الا انها لم تكن افضل منها حظأ بل كانت الاسوا ان صح التعبير
نظر لها وقال : اراكى تنظرين الى الدنيا بنظرة تشائمية وكانك تتعمدى ان ترينها هكذا
العنود نافية : ابدا بل على العكس ففى وسط كل هذا لم ارى الا شخص فريد من نوعه وكم تمنيته فى بعض اللحظات اذا فانا انظر الى الدنيا بطريقة طبيعية
ابتسم لها مراد وقال : ايعقل فى كل هؤلاء الرجال يظهر رجل يجذب انتباهك بل والادهى انكى قد تمنيتيه اممم عموما اكملى ثم احكى لى عن هذا الرجل النادر والفريد كما تصفينه
اكملت عنود : كانت راجية هى الاخرى تعمل لتساعد امى ولكنها شعرت بان سنها قارب ان تصبح عانس فخافت من هذا الشبح فتعجلت امرها وعرضت هى نفسها على زميل لها اصغر منها سنا والاغرب انه وافق عليها وتزوجها ولكنه على مر الايام اصبح لا يريدها بل اصبح له نزواته هو الاخر مثل ابى وكانه ندم انه تزوج من امراة اكبر منه سنا
هنا قاطعها الغول قائلا : كم الفارق بين اختك وزوجها ؟
العنود : ثلاث سنوات
مراد العجوز : عجبا لكى من كلامك توقعت ان تكون فى عمر امه مثلا ولكن هذا ليس بفارق يحول حياتها الى جحيم فهناك كثير من الرجال قد يقعوا فى نفس الموقف ويعيشون حياة هانئة واولهم رسولك فما يزين المراة عقلها وليس سنها بل قد تكون المراة اكبر سنا فتستطيع ان تحضن زوجها بحبها وبرجاحة عقلها حتى يشعر انه لا نساء فى العالم سواها ولكن انتى واختك تعتقدون غير ذلك لان اعتقادكم ان الرجل لزاما ان يتزوج من امراة اصغر منه انها يا بنيتى معادلة ليست سليمة او الارجح ان نقول ان لكل قاعدة شواذها كما قلتى انفا ثم ان زوج راجية لم يكن مجبرا من البداية ان يقبلها زوجة ويبدوا انه وافق عليها لانه هواها او راى فيها رجاحة العقل ولكن شعورها انها اكبر منه سنا جعل عندها نقطة نقص فجعلها تترك كل شىء ولا تهتم الا بتلك النقطة فنغصت على نفسها حياتها وان كان هو يريد طلاقها فما الذى يجبره على البقاء معها فالرجل ان نفر حقا من زوجته لن يبقيها ابدا فى عصمته مهما كان فالرجل فى هذه الحالة غير المراة فالمراة قد تتحمل تلك العيشة لانها تخاف من شبح كلمة مطلقة او لانها قد تخاف ان تشتت اولادها فهى تفكر بعواطفها اما الرجل فلا
اخذ نفس عميق ثم عاد وقال : اكملى انا معك
شردت عنود للحظات ثم قالت : ربما رايك فيه بعض من الصواب ولكن ليس كله صواب
ثم استرسلت فى الكلام وقالت : لقد اصبحت حياتها معه شديدة البؤس فقد اصبح هو يتنعم بعلاقاته بينما هى تعيش فى غيرة ونار بينها وبين نفسها وكم ودت ان تطلب منه الطلاق الا انها خافت ان تعود الى بيت امى فتحملها همها من جديد
مراد مقاطعا : هذا ليس بصحيح وان كان كما قلتى فكانت طلبته منه بعد وفاة والدتك ولكنها تهواه وتكابر
العنود : وليكن ما تقول ولكن اين كرامتها فى هذا فكان الاكرم لها ان تطلب الطلاق بدلا من ان تعيش فى كنف رجل لا يريدها
مراد العجوز ابتسم على تلك الصغيرة وقال : انتى مخطاة جدا ولكنى لا اعتب عليكى فانتى مازلتى صغيرة لا تعى للدنيا شىء ولكن الحياة الزوجية غير ما تعتقدين ابدا فهى مشاركة بين اثنين ولعل اسمها رباط مقدس لان الله الف بين قلب الزوجين وجعل بينهم سكن ورحمة وهذا لا تجدينه فى اى علاقات اخرى فعلاقة الزوج والزوجة شىء وعلاقة الوالدين شىء اخر فالاولى علاقة سكن ومودة وترابط ارواح اما الثانية فتحكمها العواطف فى المقام الاول والاخير واعنى من هذا ان الرباط المقدس بين الزوجين هو رباط من نوع اخر يقوى عبر السنين فقد تاتى الايام بمنغصات كثيرة قد يشعر معها الزوجين انهما يريدان الانفصال ولكن عند التمام يتراجع كلا منهما ولهذا قد ترين ان كثيرا من حالات الطلاق على الرغم من ان كلا الطرفين قد يقول انى ارتحت من تلك العلاقة الا انه فى الحقيقة يعيش متالما ومتوجعا حتى تخفف عنه الايام هذا الوجع ولكن لن تنسيه له
فعلاقة الزوجية يا بنيتى علاقة اخرى غير ما تفهمينه فالكرامة تنسى فيها الا فى حدود ضيقة
العنود : اراك تقول هذا لانك متحيزا لبنى جنسك
ضحك عاليا حتى اشرق وجهه وبدا وقورا وقال لها : انتى عنيدة تكابرين حتى فى الحقائق وصدقت مقولة ان المراة تعرف كل الحقائق ولكنها لا تحب ان تجبر الرجل على الاعتراف
هزت راسها دليل على عدم اقناعها بما قال ثم قالت : انا لا اكابر واكبر دليل فعلى الرغم مما قولته لك الا ان سما اختى كانت قوية وشجاعة عن راجية وواجهت حياتها بشىء من العقل واحتفظت بكرامتها وطلبت الطلاق وحصلت عليه لكن ما ان طلقت الا وخافت كما قلت من شبح كلمة مطلقة كما خافت ايضا ان تحمل امى همها فعرضت هى الاخرى نفسها على رجل وتزوجته ولكن الغريب فى الموضوع انه هو نفسه من وصفته لك بالرجل الفريد من نوعه
حدق فيها مراد وسالها بتمعن : هل عشقتى زوج اختك ؟ يا له من اعتراف مفجع
انتظر ايها العجوز لاكمل ولا تحكم على باكرا
صمت وهو لايزال محدقا فيها بينما قالت هى : انا عرفته قبلها ومع هذا لم اخبرها بهذا ابدا بل لم اجعله يرانى من يوم زفافهما
والاكثر من هذا انى اعلم انه يكبرنى بكثير فلن ينظر الى ابدا كانثى بل سيعاملنى مثل اخته الصغيرة والاكثر من هذا وذاك هو لم ينتبه لى من الاساس وان صح القول فهو يكاد يذكرنى لانى اخت زوجته ليس الا
قال لها : وما الذى اعجبك فيه حتى وضعتيه فى مرتبه خاصة دون بقية الرجال ؟
صمتت قليلا وكانها تستجمع افكارها ثم قالت : هل تصدقنى ان قلت لك انى على الرغم انى اكره جنس الرجال لانى اشعر انهم جميعا لا يريدون من الانثى الا رغباتهم الخاصة الا انى مع هذا الرجل شعرت بشعور غريب لا يضاهيه شعور شعرت بنفسى لاول مرة انى حقا انثى بل وانثى حالمة
ضحكت ساخرة وقالت : اكتشفت انى رومانسية واعشق الحب ذاته وتمنيت ان اعيشه كما فى الاحلام ولانى ارى ان كل الرجال ذئاب تعجبت عندما رايته يعامل انثاه على انها انثى قبل اى شىء
اخذت نفس عميق وزفرته بعمق ثم ابتسمت وكانها تسترجع ذكرياتها وقالت : كان لى صديقة وحيدة اسمها عبير كنا نتشارك كل شىء فى المدرسة بل وهى الوحيدة التى لم تشعرنى ابدا بعاهتى فاحببتها كثيرا وكانت طيلة جلستها معى تحكى لى عن شقيقها الاكبر الذى كانت تعتبره فى مقام والدها لانه هو الذى رباها لان والدها كان متوفى وكانت تحكى لى عن حنانه معها ومع بقية اشقائها فكنت اتخيله فى كلماتها وكم تمنيت ان يكون لى اب او شقيق مثل هذا فكم كانت تحكى لى عن طرائفه معها وكيف كان يدللها وكانت كثيرا ما تصفه لى بانه وسيما وجذابا فرسمت له صورة فى خيالى وتمنيت ان كان لى اخا مثله واخذت كذلك تحكى لى كم من النساء يتمنين ان يرتبط بهن ولكنه كان مرتبط بابنة خالته ولعلك تتعجب انى مع علمى انه كان مرتبط بابنه خالته ومع ذلك هويته ربما كان هذا لنقص فى لانى كنت مفتقدة تلك الصفات فى الاب او الاخ وربما لو انى وجدتها فعلا ما ملت اليه للحظة
لم يقاطعها فقد شعر انها اصبحت فى عالم اخر وهى تتحدث عنها فلم يحاول ان يخرجها منه
بينما اكملت هى : لم اغار يوما من انه يحب اخرى لانه طبعا لا يعرفنى ابدا وكنت متاكده انه ان رانى لن يعيرنى اى اهتمام بل قد يعاملنى كابنه مثلما يعامل شقيقته ومع ذلك هويته . هويته لانه يحب الحب ويقدسه ويعامل الانثى كانثى وفى يوم دعتنى صديقتى لحفلة عيد ميلاد ابنه خالتها وخطيبة اخاها والغريب انى لم اكن من هواه ان اجتمع مع اناس حتى لا يكتشفون عدم سماعى لما يقولون من حولى فيسخرون منى ومع هذا لم ارفض دعوتها فكنت فى شغف لان ارى شقيقها وحبيبته وارى كيف يعاملها ويدللها كما كانت تحكى صديقتى
............عايزة تعليقاتكم و توقعاتكم ايه اللى هتشوفه عنود فى الحفلة
أنت تقرأ
العنود والغول..الجزئين .. للكاتبة رباب عبد الصمد
Randomجميع الحقوق محفوظة للكاتبة ممنوع النقل والاقتباس