الفصل الثالث والعشرون

4.6K 166 9
                                    

البارت الثالث والعشرون

اشفقت عنود عليه ولكنها لم ترد عليه فوجود وليد معها يكفيها عن اى رجل غيره ولكنها لا تنطكر امام نفسها انها ايضا لن تستطيع ان تبتعد عن ذاك الغول فهى تشعر ان هناك شىء ما يربطها به لا تفهم كنيته ولكنها لا تجد الراحة الا فى الحديث معه
انتبهت على صوت دخول وليد عليها ومعه كيس فابتسم لها واخرج من الكيس فستانا انيقا وقال : هذا هديتى فقد تخيلته عليكى واعلم ان ذوقك ارقى منى ولكنى مع ذلك اتمنى ان يروق لكى
امسكت الفستان وهى فرحة  فلم تتوقع هذا منه
قبلته وقالت : انت ايضا لك عندى مفاجاة ولكنى ساقدمها لك غدا بعد الحفلة
قال لها : انتى اجمل هدية ولا اريد غيرك ثم سحبها من يدها وقال تعالى معى ودخل بها الى غرفتهما القديمة التى اصبحت غرفة عبير وما ان راتها الا اخذت تنظر اليها فى انبهار وقد كانت عبير تجلس خلف مكتبها وامام حاسوبها تدرس بعض المواضيع التى تخص رسالتها
كانت الغرفة قد تغيرت حقا فقد لون وليد جدرانها باللون الروز الهادىء الذى يسكن العين ويسرها عند النظر اليه ثم زين الجدران ببعض الصور والحكم التى تبعث الامل فى الحياة وغير لها لون الستائر والاثاث حتى بدت كأن الغرفة غرفة اطفال فجلست عنود على طرف السري وقد احتضنت احدى الدميات ونظرت الى الغرفة التى شعرت انها ازدادت اتساعا لان وليد قد عمل ان ان يبقى معظم المساحة فارغة ثم جالت ببصرها فوجدت النافذه مفتوحة وقد دخل منها نسيم رطب ورائحة عطرة فعادت ببصرها الى عبير التى كانت قد تركت ما بيدها واخذت تتامل عنود المبهورة بالتجديد
عنود وهى تستنشق الهواء المعطر : انها لجميلة حقا فشتان بين هذه وتلك الكئيبة التى كانت جدرانها تبعث الالم والضيق فى النفس وكانها معبد حقا
ابتسمت عبير ولم يعد الكلام يؤلمها وقالت : عندما انتقلت الى هنا حدثنى اخى بكلمات شعرت وقتها انى لم افقد الحياة بعد اونى لازلت حية فشعرت بان لدى طاقة كامنه بداخلى اريد ان استفيد منها فقمت من فورى وبدات دراسة من جديد وبحثت عن عمل ووقتها بالفعل شعرت بالحياة ولم اتالم من فراق سليم بل على العكس اردت ان اتعلم من تجربتى هذه وانى باعتكافى على نفسى فى هذا المعبد قد امات حياتى
قالت لها عنود : ماذا قال لكى وليد
نظرت عبير الى وليد وهى مبتسمة وقالت : ساخبرك بما قاله لى غدا فى الحفلة ثم اتجهت نحو اخيها وقبلته فاحتضنها بوره تحت كتفه وربت ليها بحنان و هو يبتسم لها ولعنود فقد كان فى قمة سعادته ان اخته بدات تنسى جرحها وبدات تخطونحو مستقبل افضل
......
فى اليوم التالى استيقظ الجميع مبكرين وبداوا يجهزون للحفلة وزينوا الحديقة بينما كانت والدة وليد وخالته مسئولتان عن اعداد الطعام والمشروبات فى حين ان وليد كان مهتم بكيفية ترتيب الجلسة وباله مشغول بكيفية ستسير تلك الحفلة
حتى حل الليل وكان الجميع يستعد وكل مشغول بحاله بين سعيد وبين مرتاب وبين باحث عن الحب وبين من يحاول ان يهب الحب للاخرين وبين مخدع وبين مخدوع وبين مشتاق وبين جامد المشاعر
فكان كل فرد به ما يشغله
حانت الساعة وبدا الكل فى الوفود وكان وليد اول المستقبلين للضيوب
حضرت راجية واكرم زوجها وكانت راجية فى قمة اناقتها كما تظن فقد ارتدت اجمل ثيابها ومعظم حليها واهتمت كذلك باولادها فكانوا فى احسن شياكة وكان اكرم كذلك انيقا ولكن كان واضح عليه انه ارقى ذوقا من راجية فى اختيار ملابسه وعطره فلم يكن متكلفا بل كان بسيطا انيقا وساعده على ذلك رشاقة قوامه الا ان نظرة الاشتياق نحو راجية لم تختفى من عينيه وان كان حاول اخفاءها من ملامحه الا ان نظرة العين فضاحة 
كذلك كانت هبة واحمد لكن الاختلاف ان كلا الاثنين كانا فى قمة السعادة والبشاشة فقد نجح وليد فى التقريب بينهما عن طريق التقريب بين فهم طباع كل منهما لدى الاخر
كذلك اتى العجوز وابنه ولكن الداهية الكبرى ان سليم اتى بصديقة له وقد اوهمها بحبه وكان يعتقد ان اتيانه بتلك الفتاه قد يشعل نار الغيرة لدى عبير فيكون سهل عليه ان صارحها انه يريد ان يعود اليها مرة اخرى فتستجيب فقد كان ينوى ان يعترف لها انه لازال يحبها واعتقد ان اشعال غيرتها من احدى الطرق لاستجابتها اليه
اما عبير نفسها فقد ارتدت ثوبا انيقا فاتح اللون فاظهر بياض بشرتها مما جعلها كالملاك الهادىء
اما ولاء فقد كانت هى الاخرى جميلة وهذا ليس بجديد عليها فولاء دوما ما تهتم باناقتها حتى انها لا يبدوا عليها سنها الحقيقى
اما عنود فقد ارتدت ما اشتراه لها وليد وكانت هى الاخرى جميلة وان كانت لا  ترتقى لجمال ولاء الاخاذ الا انها قد فقدت كثير من وزنها بع العملية مما جعل قوامها ممشوقا اكثر اما ما جعل البشاشة تعتلى وجهها حقا كان سببين اولهما ان العجوز قد رفع من منسوب السمع عندها درجتين مما جعل السمع عندها اصبح واضح الى ىدرجة لا تحتاج معها لرفع الاصوات حولها اما السبب الاخر انها قد نوت ان تسلم جسدها الليلة لوليد
بدات الحفلة وقد جهز وليد ركن خاص للاطفال مما جعلهم يلعبون فى شغف وقد نسوا اباءهم حتى عمر الصغير كان من وقت لاخر ياتى الى عنود ويجلس بين يديها لدقائق وجيزة ثم يعود وينضم الى بقية الاطفال لينضم معهم ويشاركهم اللعب
دار الحديث بين الجميع فى مواضيع مختلفة واغلبها كانت تقديم التهانى الى سليم فى حين ان سليم نفسه لم يرتد بنظره عن عبير فقد شعر بمدى اشتياقه اليها حتى ان لم ينتبه الى ملاطفة الفتاه له بين اللحظة والاخرى
بينما كانت عبير متجاهلة اياه تماما
بدا الحديث العجوز:  وقال ما رايكم  ان تكلمنا عن اشياء تفيدنا جميعا بدلا من الاحاديث الجانبية فكان اول المتحدثين والدة وليد سالته عن مدى تاثير الاغذية على الاعصاب فاجابها مشيرا الى انواع الاطعمة وما هى فوائدها واشار لاكثر الاطعمة المفيدة لبناء اعصاب الاطفال
بينما  انتظر وليد حتى انهى كلامه ثم قال والان جاء دور طرح سؤال مهم للجميع تكملة لكلام الدكتور مراد وكان يجلس على مقربة من عنود فاقترب اكثر ووضع ذراعه محاوطا كتفيها امام الجميع وكانت تلك لفته منه عن قصد فقد اراد ان يشعر عنود بحبه كما اراد ان يراه الجميع وهو يعبر عن حبه بدون مبالغة وبالفعل فقد اهتزت عنود داخليا وشعرت بدفءه فاقتربت هى اكثر بينما غارت راجية وتمنت ان تكون فى نفس مكانها فشعر بها اكرم فاقترب منها وبهدوء دون ان يشعر من حولهم مد يده وتلمس برفق اناملها مما جعل راجية ترتعد مكن المفاجاة الا ان تلك الحركة اسعدتها واستجابت له مما اذاب بعض الجفاء بينهما بمجرد لمسة خفيفة بينما كان الاكثرهم جراة هو احمد فقد اقترب من هبة علنا وحضن كفها علنا وهو يضحك
قال وليد : والسؤال الان اريد ان يعرف لى كلا منكم ما هو معنى الوفاء من وجهه نظره ولما يريد كثير من الاشخاص ان يكونوا اوفياء مع ممن يحبون الا انهم لا يستطيعون ان يفو بالوعود بالرغم من رغبتهم فى الوفاء وما الفرق كذلك بين الوفاء والخيانه من وجه نظركم
هنا بدات ملامح عنود تتاثر وقضبت حاجبيها حتى ان شعورها ذاك ظهر جليا على ارتعادة جسها التى شعر بها وليد فضغط بخفة بذراعه على كتفيها لعلها تهدا فقد عرف بسرعة انها قد تذكرت والدها وخيانته وعلاقاته المتعددة
قال اكرم لانه اقرب الناس من هذا السؤال : ارى ان الوفاء هو ان يحب شخص شخص اخر ولا يريد غيره ولكن هناك فرق بين وفاءه له وبين وفاءه مع نفسه فاغلب النساء تعتقد ان الرجل ان فك عن نفسه وكلم اخرى ان هذا خيانه فى حين انى اراها انها لا تعدو مجرد علاقات عابرة تلهينا عما يهمنا من مشاق الحياة ليس الا اما الخيانه ان يتركها بالفعل ويعشق غيرها رغم حبها هى له
اجابته اشعلت الغيظ فى عنود فهمكت ان ترد الا ان وليد اسكتها بضغطة اخرى من يده
بينما كان الحال عند راجية موجع فقالت ردا على اجابة زوجها : ان كان الوفاء والحب كما تراه هكذا لوجب عليك ان تعترف بحق المراة ايضا ان تتحدث مع رجال اخرين بخلاف زوجها مادامت انها فى النهاية كلها علاقات عابرة لا ترتقى ابدا للحب
هم اكرم ان يجيب بحده الا ان وليد قال : لقد اعطيت رايك وانتهى فلا تحاجى احد واترك الفرصة لغيرك
بينما قال احمد : ارى ان الوفاء هو ان يفى الشخص لحبيبه مهما كانت الظروف من حوله حتى ان عيناه قد يغشاها العمى فلا تبصر الا حبيبه بعيوبه وبمزاياه وحتى ان حكمت الظروف ان يتركا بعضهما ظلا كلاهما يفى الى الاخر فى حبه ولا ارى ان ما يسببه القدر من افتراقهم خيانة بينما تكون الخيانة فى حالة ان تركها وعشق اخرى كما قال اكرم
لم تجيب هبة باجابة مختلفة عن زوجها بل امنت على اجابته
بينما قالت ولاء وهى تنظر الى وليد وقد تجلت غيرتها على ملامحها فقالت وكانها تستعطف وليد : لوفاء ان يظل الحبيب يحب حبيبه حتى وان اضطرته الظروف ان يقبل بغيره ولكن مع اول فرصه له للتحرر يعود على الفور الى حبيبه وان كان حبيبه يفى اليه يجب عليه ان يعرف انه يحبه بكل ما فيه وعليه ان يشفق عليه من ظروفه وان يعيده اليه لانه يصبح كالعصفور الجريح الذى فقد عشه فلاه هو عاد الى عشه ولا هو قادر على الطيران نظرت بعمق لوليد واكملت قائلة وحتى ان كان جرح العصفور بسبب قله عقله فيجب على الاخر احتضانه بدلا من ان يضيعه ويكفيه العقاب خاصة ان كان هو من الاساس لازال يحبه ولم يكرهه من الاساس
هكذا علمتنى انت يا معلمى
هنا كانت عنود قد استنفذت صبرها فولاء تسترجى زوجها فى الرجوع اليها علنا حتى وان لم تصرح باسمه
ابعد وليد ذراعه عن عنود واحتضن بدلا منها كفها لتهدا اكثر
بينما وجه كلامه الى عبير وقال : ما رايك انتى يا عبير ؟
عبير وهى تنظر بتحد لسليم فقد اوجعها وهى تراه يجلس مع غيرها ولكن هناك فرق بين الوجع والغيرة وهذا ما لم يفهمه سليم : الوفاء هو ان يحب الطرفين بعضهما حتى يكتفى كلا منهما بالاخر فلا تستطيع عيناه ان ترى غيره حتى وان عرض على ايا منهما البشر جميعا اما الخيانه فعكس الوفاء تماما وهو ان يرضى باى شخص يقع فى طريقه بكل سهولة
كادت تخونها عيونها وتنهمر بدموع حارقة فقد احيا وليد بسؤاله حنين فى قلبها حاولت ان تخفيه فهى وان كانت تتكلم بتحدى امامه الا ان بداخلها عكس صمودها الخارجى فنظرت له وقالت فى نفسها 

العنود والغول..الجزئين .. للكاتبة رباب عبد الصمدحيث تعيش القصص. اكتشف الآن