الفصل الثالث عشر

3.3K 212 39
                                    

البارت  ال 13

انهى وليد عند تلك الكلمات كلامه واعتذر بانه اطال عليهم ولكنه تعجب ان الجميع كانوا فى حالة انصات تام حتى انهم كانوا يريدون منه المزيد
اشار اليهم بانه قد حان الوقت للتنزة فى المركز ليشاهدوا بانفسهم اهم ما انتجه المرضى وان العامل الاساسى فى علاجهم هوانهم انشغلوا عما يهمهم بالعمل والانتاج
.........
انبهر الجميع بما انتجه المرضى من كافة الاشياء حتى تعالت الهمهمات من شدة الاعجاب فشاهدوا الملابس التى تم حياكتها فى الدار وتذوقوا اشهى الحلويات والاطعمة كما شاهدوا قطع اليكور الخشبية
طافوا بعدها فى الارض الخضراء المزروعة بسواعد المرضى
ظلوا يتحدثون عن هذا التصميم الارادى الذى جعل من المرضى منتجين وهنا تكلم مراد العجوز وقد وقف متوسطا الجميع وقال : ستندهشون اكثر عندما تعلمون ان هؤلاء المرضى انما انتجوا وعملوا وهم تحت تاثير التنويم المغناطيسى
هنا صمت الجميع بما فيهم المرضى الذين لا يفهمون اى شىء عما يتحدث عنه مراد
بينما اعتلا وجه مراد ابتسامة عذبة ولم يفهم مقصده سوى وليد
تابع مراد كلامه وقال :لقد استغلينا نظرية التنويم المغناطيسى التى بكل بساطة تتمثل  فى التركيز على العقل فمثلا جعلنا كل شخص يعمل فى مهنة ان يركز فيه لا يفع راسه عنها بحجة اننا فى حالة عجالة فكون المريض يركز فى نقطة محددة يعمل عليها العقل دون غيرها ينصب التركيز كل التركيز فى تلك النقطة دون غيرها فلا يدرى بما يدور حوله ويصبح كامل جسده فى حالة استرخاء بما فيهم العقل بالطبع فينسى الفرد التفكير فى كل ما يؤرقه ولم يتبقى امامه سوى ما يصنعه فقط ولهذا وضعنا بجوار المرضى اشخاص ظنوهم مرضى وهم فى حقيقتهم اطباء فكانوا يتحدثون معهم بصوت خافت حتى يشعروهم بالاسترخاء وتتم عملية التنويم المغناطيسى بسلاسة والاعجب اننا بل ومعظمنا يمر بحالة التنويم المغناطيسى ربما لاكثر من مرة فى اليوم
تعجب الجميع اثر سماع تلك الجملة وبدوا مشدوهين اكثر لمعرفة كيف يحدث هذا
اكمل مراد كلامه قائلا : من منا لم يستغرق فى عمله ويضع فيه جل تركيزه حتى انه لم يسمع لاى شخص يتحدث جواره او ربما انشغلت الام فى اعمال المطبخ حتى انها تناست صخب اطفالها جوارها او ربما انشغل احدجنا فى التركيز فى برنامج تليفزيونى او مسلسل فان شعرت انك تعايشت مع ما امامك حتى انك تناسيت من حولك فهذا هو التنويم المغناطيسى
مال وليد على اذن عنود التى كانت تقف الى جواره ملاصقة له وابتسم وقال : حتى وزنك قد استخدم معك العجوز التنويم المغناطيسى ففدتى لوزن بسرعة
تنبهت لكلماته وفرغت فاها متعجبة ومصدومة لما قاله فداعبها فى انفها مناغشا اياها وقال وهذا ايضا تنويم مغناطيسى
........
تمت الخطبة واستمتع الجميع بالمركز وتقدماته وبطريقته الجديدة فى لعلاج
ومرت ايام اخرى كانت عنود منعكفة تماما عن كليتها تعتمد فقط على ما يشرح لها وليد واهتمت اكثر بعمر وبزراعة الحديقة
فى يوم اتت راجية لزيارتها فاخبرتها بانها رات والدهما
راجية بعصبية : اياك ان تتحدثين اليه فما دام انه لم يتعرف اليك فهو لا يستحق منا اى عطف فانا قد صرت ام واعرف كيف يشعر القلب قبل العين برفرفة روح ابنى حولى حتى وان لم يكن امام عينى ثم انه اذاقنا المرار وحملنا جميعا ما لا نطيق واقربهم انا واختك سما فهى تشبهت بالرجال من كثرة كدها ولم تنعم حتى بحب من احبته وكل هذا بسببه وقد شارفت انا ان اكون مثلها لولا مساندة زوجك لى حتى عدت ابحث فى اعماق نفسى عن تلك الانثى التى نسيت معالمها على الرغم انى كنت اهوى معالمها قديما وكانت لى احلاما وردية اتمنى تحقيقها مثل اى فتاة ولكنه حرمها على وكل ما الت اليه متاعب كان هو سببها 
مدت يدها واسندتها على كتف عنود وقالت : الذى لا يستنشق عطر ابنه ويعرفه من بين الالف لا يستحق ان يكون ابا وغدا سينعم الله عليك وسيخلف عليك بالذرية ووقتها ستفهمين معنى كلماتى
هنا اغرورقت عينا عنود وعادت الى ما كانت تحاول الهروب منه
عادت للتفكير فى الانجاب
تعجبت راجية من تبدل حالها فى لحظة فسالتها
اجابتها عنود بدموع : لما لم يشق رحمى حتى الان ببذرة طفل ؟ لما تاخرت فى الانجاب ؟ هل اضيفت الى عاهة جديدة ؟ هل سياتى علي يوما يهجرنى وليد لهذا السبب ؟
ضمتها راجية الى صدرها وربتت على ظهرها ولكن كان تلك الضمة كانت بمثابة اذن من راجية لعنود لتبكى
انفجرت عنود باكية  ولكن لم يكن بكاها لتاخير الانجاب بل كان فى نفسها اشياء كثيرة تريد التنفيس عنها
العجيب ان راجية هى الاخرى بكت معها فاختلطت دموعهما
راجية بقلب حنون ولاول مرة تشعر نحو عنود انها حقا اختها الكبيرة والمسئولة عنها
فضمتها اكثر
رفعت عنود راسها من صدر اختها وهى لاتزال تبكى وكادت ان تتكلم الا انها شعرت بوليد وقد ولج لتوه من بوابة البيت ووجد الاختين كلاهما يبكى
انزعج فاكل الخطوات بسرعة وبتلقائية مد يده وسحب عنود الى صدره وسالها بخضة وانزعاج : ما بال ابنتى ؟  ثم عاود النظر الى راجية التى كانت لتوها تمسح دموعها وقد تذكرت كلمات وليد عندما قال لها ابكى فى صدر زوجك فاشتاقت لان ترتمى فى حضنه الان فقد شعرت بشعور غريب عندما وجدت وليد وهو يضم عنود الى صدره فهو شعور حقا يستحق ان يتمناه كل شخص فما اجمل المراة عندما تشعر ان هناك من يراف بحالها ويضمها عندما تبكى
رحلت راجية من امامهم بسرعة دون التفوه باى حرف تاركة وليد فى انزعاجه مما يحدث
..........
ذهبت راجية الى بيتها وكم تمنت لاول مرة ان تجد اكرم فى انتظارها ولكنها لم تجده ولكن كان داخلها شعور قوى بالاشتياق اليه ولاول مرة تشعر ببرودة البيت دون وجوده
وبتلقائية ولازالت الدموع تنساب على وجنتيها وافكار كثيرة تراودها فاستعادت شريط حياتها منذ ان كانت طفلة فلم تجد انها شعرت بالسعادة يوما ونقمت على والدها لانه هو السبب فى هدم بيتهم وحرمانهم من العيش والاحلام مثل بقية الاطفال فى سنهم
اخذت تنظف البيت وتعطره ونظفت ابناءها وعلى الرغم من انها كانت تعمل بكل نشاط وهمة الا ان شعورها كان مختلطا بين الحزن العميق وبين الاشتياق الى زوجها لكى ترتوى من حنانه ولو لمرة وحيدة
لاو ل مرة بعدما شاهدت وليد وانزعاجه على عنود انها فى حاجة الى ضمه زوجها
حل الليل وكان بيتها فى احسن حال واطيب رائحة لكنه تاخر فاطعمت ابناءها ونيمتهم فى حين انها كانت تود ان راهم ليعطيهم من حنانه ما شعرت اليوم بفقده
طال الليل عليها فجلست امام نافذة غرفتها ترقبه فانسابت دموعها ثانية وهى تتخيل وجوده الان بصحبة امراة اخرى وربما ينعم معها بليلة دافئة مملوءة بمشاعر فياضة فى حين هى تعانى من برودة المشاعر
شعرت بالبرودة تسرى فى جسدها فى حين ان الجو حولها لا ينم على ذلك
احتضنت نفسها بكلتا ذراعيها واغمضت عينيها ولازالت صورته بين احضان اخرى متمثلة امامها
تذكرت كلمات وليد الرنانة ان كل امراة خائنة دوما ما تبحث عن نقاط الضعف فى زوجة العاشق حتى تكسب هى النقاط
فعاتبت نفسها لان عيوبها هى مع اكرم كانت ظاهرة جلية يراها اى فرد راي العين فهى اذن المسئولة الاولى عن كسب الاخريات لقلب زوجها دونها
ولكنها عاودت تصرخ بصمت وتقول ولكنى ندمت وبدات من اصلاح نفسى ولكنه لم يكف ابدا عن خذلانى
عادت تتذكر كلمات وليد وكانها تبث فى نفسها طاقة ايجابية
وليد : لقد كسرتي رجولته واهنتى كرامته باعترافك له صراحة انك ما كنتى لتتزوجى منه لولا خوفك من شبح العنوسة فقرر الانتقام منك وكسب كرامته بخيانتك لانه اراد ان يرى انه مرغوب ليس لسبب وانما لذاته
فقالت لنفسها هامسة : كنت اتعمد صيانة كرامتى لما وجدته يخوننى ولم اعلم اننى كنت الدافعة الاولى الى هذا
عادت تتذكر
وليد : يجب ان تفرقى بين ما تستحقيه وبين ما حصلتى عليه بالفعل
فردت على نفسها تعاتبها : لم اكن حقا اتمناه وقد حصلت عليه ولكنى احببته كل الحب ولكنى فشلت فى التعبير عما فى قلبى له فضيعته
تذكرت مباغتة وليد لها عندما سالها ماذا سيكون رد فعلك ان علمتى ان اكرم قد تزوج؟
ردت بسرعة نافية هذا مستحيل
فقاطعها وليد مستفهما ما هو المستحيل يا راجية فى رايك زواجه من غيرك ؟ ام عدم تصديقك للامر هو المستحيل ؟ اجيبينى ايهما هو المستحيل فى مخيلتك
صمتت وقتها دون ان تعرف ما هية الاجابة ولكنها اخيرا نطقت وقالت المستحيل كلاهما
تذكرت تلك الابتسامة الساخرة من وليد وقال : عجيب ردك يا راجية فكيف لا تتقبلين فكرة زواجه او فكرة تقبلك للامر نفسه فى حين انك اول من قال له اغرب عنى لا احبك ولا اريدك بل وهجرتى مضجعه
تذكرت كذلك كيف ردت عليه رد ابله جعله يكشف لها حقيقتها فقد قالت له انا كنت اضغط عليه ليعلم ان ما يفعله من الخيانة هو ما يهدم حياتنا فرد عليها قائلا كيف تضغطين عليه وانتى من كانت تعانى فى الاول والاخر العذاب كله وتتجرعه وانت اول من دفعتيه وتخليتى عنه وتركتى له مساحة كافية ليخونك وبعدتى عنه ؟
اى اجابة هذه يا راجية انها اجابة متناقضة
قالت لنفسها : كنت اعمله بكبرياء فاكتشفت انما كبريائى فى علو شانه ولكنى دوما ما كنت انتقص منه ومن تصرفاته وضعفه امام والدته وارائها
فجاة فاض بها كيل الاحتياج اليه فاخذت تلقى الوسائد من على الفراش وتقول بصوت مبحوح وبدموع ساخنة : قلت لى انى المخطاة يا وليد والان انا لا اجده بين يدى لاكفر عن ذنبى فقد ارتاح بين احضان غيرى انه اصبح يستلذ الخيانة ويتنعم بها
عادت وصمتت للحظات وكذبت نفسها وقالت : لا انه لازال يحبنى انه حاول ان يذهب لوليد ليجد عنده الحل اذن هو يحبنى . ااه ..ااه
عادت تنظر الى نفسها فى المراة وقد اختلطت دموعها بكحل العين فسال على وجنتيها اخذت تحملق اكثر فى تقسيمات وجهها وتذكرت كلمات وليد عندما قال لها لقد اطفات نور وجهك بعنادك ووضيعتى انوثتك بلباسك ثوب الرجولة ان كنتى تحبينه يا راجية فازهرى لاجله فانما المراة لا يقدر لها سن للازدهار وانما تزهر لاجل رجل احبته
صمتت للحظات ثم عادت وجلست تبكى بحرقة وتقول نعم لقد اشترى هذا البيت الجديد لنستقل سويا نعم . نعم هو يحبنى
عادت تصرخ بداخلها وقد خللت اصابعها بين خصلات شعرها واخذت تبكى تارة وتحدث نفسها امام المراة تارة كما المجنونة وتهرتل بكلمات هاذية
كنا لطفاء  فظنوا ان العفو ضعفا وكنا رحماء بهم فظنوا ان الرحمة سذاجة وغباء لم نكن نعلم ان اجمل ما نملكه سيحصد اهانة لنا وبلاء
قالت بصوت عالى : لقد قلت لى يا وليد ابكى بين يديه وهو سيكون اول ساندا لى واول الكفوف التى ستمد لتكفف دمعى لكنك للاسف لم تكن تعلم شخصيته فاين هو الان انه تركنى ولاذ بالفرارا لياخذ ما نقصه من غيرى وتركنى انا اعانى
هل الانسان معصوم من الخطا ؟ كيف يساوى فى عقابى بين وقت كنت اجهله وبين الان بعدما عرفت اخطائى
هل حان الوقت لان اتركه بلا رجعة حقا ؟  وهنا شعرت بغصة فى حلقها ومرارة كلمات تتردد فى صدرها ترفض ما تفوهت به وكان مسموعا
هنا ايضا توقفت لحظات عن النحيب وتذكرت نظرة وليد الماكرة لها عندما قال لها : ما دمتى سامتى العيشة معه فاتركيه على الفر
وقتها وقفت ترد على نظرة وليد بنظرة زائغة ليست قادرة على القبول ولا قادرة على الرفض فهى بين ما تريده ولا تريده فاستغل وليد ترددها هذا وتحولت نظرته الماكرة الى نظرة حنان وشفقة قال لها : ترددكى هذا يا راجية وعيناك الزائغة تعنى انه لازال له رصيد فى قلبك
راجية : لقد فضحتنى عينى اذأ
وليد وهو يربت على كتفها ليهدا منها ويشد من ازرها فى نفس الوقت : يا راجية اساس كل علاقة هو الرصيد الذى يدخره كل طرف فى قلب الاخر وسميناه رصيد تشبيها بمن يدخر المال لاجل غدا فكلما ادخر اكثر كلما عاش اكثر وكلما ادخر اقل هلك بسرعة فالحياة لا ترحم وعلى قدر هذا الرصيد تختلف طرق المعيشة فمن ادخر اكثر اكل ولبس وشرب وربما مرح كذلك بينما كلما قل الادخار كلما استغنينا عن اشياء واشياء حتى نقف على مجرد الطعام لاجل الحياة فقط
كذللك العلاقة بين اى طرفين ان كل يوم يمر بنا وهما معا فكل واحد في طرفى العلاقة انما يدخر لدى الاخر رصيد وبناء عليه يتحمل كلا منهما الاخر ولكن ان نفذ الرصيد نفذت العلاقة والرصيد هنا ربما فى التغافل مرة وربما فى كلمة حلوة مرة وربما فى ابتسامة حانية وقت الضيق الى اخر ذلك ولكن ان شعرنا اننا لا نتذكر اى شىء من تلك الادخارات واسود قلبنا ولم نعد نتحمل ويتساوى لدينا وجود الطرف  الاخر او عدمه فى حياتنا فهنا نتاكد انه قد انتهى رصيده عندنا ولكن تشتتك هذا ونظرتك الزاءغة وعدم الشجاعة فى اتخاذ القرار يعنى انه لا زال يحمل فى قلبك رصيد
ولكن ان هاتفك هاجس هجره ثانية ولم تعلمى كيف هو التصرف قفى مع نفسك لحظة واساليها قبل الفراق هل تاكدتى انك فعلتى كل شىء لاجله حتى ان اتخذتى قرارك لا تندمين فيه وتكونى مرتاحة الضمير
ظلت اخر الكلمات تتردد بصدى صوت حتى ملات المكان بالضجيج حولها فاختنقت بالكلمات وقالت : لا لم افعل كل ما لدى لاحافظ عليه بل لم افعل اى شىء على الاطلاق
الحقيقة كانت راجية فى اشد لحظات ضعفها واصدقها فى نفس الوقت
فقد اوقفها وليد على اعتاب خطاها وواجها بما كانت تجهله فى نفسها بل والاهم انه اعاد انعاش تلك الانثى التى كانت اوشكت على الموت داخلها
كانت تلك اللحظات هى الاصعب على الاطلاق فى حياة راجية لانها اعترفت امام نفسها انها فى حاجة الى زوجها وانها حقا تحبه وان تصرفاتها هى من ابعدته عنها
لم يختفى مشهد فزع وليد على منظر عنود وضمه لها وقتها شعرت راجية بعودة الانثى داخلها
عادت لتحضن نفسها وتضم ذراعيها الى صدرها ووقفت امام النافذة تبكى بصمت ولازالت الافكار فى راسها ولازال الندم ينهش فيها
سلاما على اعين ذاقت العناء فبكت فظنها الرائى تضحك وفى قلبها فوق البكاء بكاء

العنود والغول..الجزئين .. للكاتبة رباب عبد الصمدحيث تعيش القصص. اكتشف الآن