الفصل الحادي والعشرون

4.3K 170 13
                                    

البارت الحادى والعشرون

هنا طرات فكرة لوليد واراد ان يضرب عصفورين بحجر واحد فقال ستاعطيكى غرفتى انا وعنودتى وسنستق تلك الغرفة البعيدة فى اخر البهو فهى اكثر خصوصية وبعيدة عن ازعاج عمر او اولاد هبة عندما ياتون
وليد كان يقصد بهذا ان يبتعد عن غرفة ولاء حتى لا تستطيع التصنت عليهما بسهوله وندم انه لم يفعل هذا منذ البداية
هدات عبير قليلا بينما نظر هو لعنود وقد مد له يدها ليهمها على الخروج
كانت عنود صامته ووبداخلها صراعات كثيرة فقد اخذت تستوعب كلام وليد وتقارنه على نفسها ففهم هو بقطنته ما دار بخلدها فانتظر الى ان ركبا سويا السيارة وتحركا ونظر لعمر فوجده قد استكان ونام فى صدرها وظلت هى على حالها من الصمت فتنحنح وقال : سنمر اولا على المركز الطبى لان هناك حالة اجلتها اكثر من مرة وبعدها سنذهب للغول
اومات براسها بنعم ولكنها لازالت شاردة تصارع افكارها
استقر بسيارته امام المركز وترجل بهدوء ثم وقف امام بابها وفتحه لها وحمل عنها عمر وسارا معا نحو الداخل بينما تحول شرودها الى التامل فى المركز الطبى
اعجب هو بها وهو يراها تتامل المكان ودخل بها الى بهو طويل واشار بيده الى غرفة الاستشارت وقال وهو يغمز لها : تلك هى حجرة الاسرار فكل من يدخل هنا يرمى باسراره ثم يخرج
نظرت له وقالت : ليت كل الاسرار تحكى
فهم مقصدها وضحك وقال : هنا كل الاسرار تقال بل كل الاعترافات والخطيئة ايضا وضحك ضحكة عذبة وشرح لها كيف ان المريض لا يرى معالجه ولا معالجه يراه مما يجعل المريض يتحدث باريحية
دخل بها غرفة وارقد عمر على كنبة صغيرة جوارها وهم ان يخرج ثم توقف قبل ان يفتح الباب وانتظر بره ثم عاد اليها وامسكها من كتفيها فى حركة لم تكن تتوقعها فانتفضت وقامت وقفت فصارت ملاصقة له ولكنها اقصر منه فمال عليها وقال : ما قلته لعبير لا يخص الا عبير فكل شخص له طريقة علاج وليس كل العلاجات تنفع كل الناس
نظرت له وقد شعرت انه قراها ولكنها ردت بسرعة وكانها فرحت لانه فهم ما يجول بداخلها وسالته بصوت خافت متلعثم من قربه هكذا وهى تصارح من الاساس اشتياقها اليه : لا افهمك
مال اكثر وهمس فى اذنيها لعل انفاسهما القريبه تشعرها بصدق كلامه : يعنى انى قلت لعبير ابتعدى ولا تلاحقيه ولكن قد لا يناسب هذا الكلام افراد اخرى بل على العكس من الجائز جدا ان اقول لهم تمسكوا بمن تحبوهم فهم صادقين فى حبهم لكم وقد تكونوا انتم المحطاين فى فهمكم
ابتلعت ريقها وكادت انفاسها تتصارع وتتلاحق حتى انه شعر بارتعادها فربت عليها واقترب وقبل جبينها برفق وتركها مبتعدا عنها لغرفة الاستشارات
ما ان خرج وقد شعرت ان اخير الغرفة قد اتسعت قليلا وبدات انفاسها تنتظم وقالت فى نفسها : يا الهى كيف ساقاوم بعده عنى وانا بالكاد لا استطيع بعده لدقاق يالا خيبتى وقسوتى على نفسى ثم تذكرت منظر ولاء فعادت واغمضت عينيها بالم وقالت بصوت اعلى : لا انه يستغل حبى وهو كاذب ..لا . لم اعد افهم شىء
.......
دخل وليد الى غرفة الكشف وجلس خلف الزجاج وتعمد اللعب فى ذبذبات الصوت حتى تغيرت نبرات صوته وبدا يراقب ذلك الرجل الجالس امامه ولكنه لا يراه بدوره وبدا يدون فى ورقة امامه بعض الملاحظات واول ما كتب وجهه دائرى دليل انه عصبى جدا ولكنه غير قادر على التكيف على البيئات من حوله وذو جبهة ضيقة دليل ضيق الحياة عنده وحاجبيه منخفضان دليل وجود الشك الذاتى لديه وشفاهه متشققه طبيعيا دليل الى انها جافة دوما وهذا يدل بدوره على الجفاف العاطفى لديه
كل هذا ولا يعلم المتعالج ان وليد الان ينظر اليه وما ان سمع صوته الا وبدا يعتدل فى جلسته
كان الشاب طويل البنية ومن الواضح انه كان قويها وذو عضلات الا انها باتت هزيلة وكانه فقد قوته بسبب مرض او بسبب شىء يعانيه الا ان لون عينيه جعل وليد يشعر ان هذا بفعل المخدرات فقال فى نفسه هل ظن هذا الشاب اننا هنا مركز لعلاج الادمان ؟
بدا وليد الحديث وقال بصوت دافىء يحمل الابتسامة الحانية  : علمت من بياناتك الاولية ان عمرك 27 عاما فتعجبت ان من هم فى عمرك يكون لديهم مشكلات نفسية فامثالك هم من يعطوننا نحن الطاقة الايجابية لنستعيد قوانا ايها الشاب القوى ولا تتعجب انى انعتك بالقوى لانك حقا قوى وانا لا اقول هذا لاشجعك بل انا اردد كلام الله فكون سنك جعله الله فترة الشباب والقوة فهو اعلم منا بهذا السن
كلماته ادخلت على الشاب السكينة الى حد كبيرجعلته غير خائف من الافصاح عما يرهقه واعطته ثقة فى كونه لازال يتمتع باى قوة سواء خارجية فى بنيته الجسدية او داخليه فى ثقته بنفسه
قال له وليد بنفس النبرة الهادئة : ما الذى يؤرقك ايها الرجل الشجاع ؟ ولما طلبت مقابلتى انا بالذات ورفضت ان تتحاور مع ايا من الاطباء الاخرين ؟
قال الشاب : اخترتك انت بالذات لانى اعلم ان احدا لن يفهمنى او يسمعنى مثلك فقد زارك صديق لى من قبل ولازال يزورك حتى الان وعندما وجدت انه بدا ينصلح حاله سالت عنك
اما عما عندى فسابدا لك من البداية لعلك تجد اى سبب يوقفنى عما انا فيه وما الت اليه صحتى فانا كما ترانى اسمر البشرة بل اسودها وهذه هى بداية قصتى وبداية المى فقد ولدت لاب مثل لونى وام  غاية فى الجمال وشديدة البياض ولكنها لم تحبنى يوما فقد كانت قاسية جدا على ولم تحب الا اخى الاكبر منى لانه ابيض مثلها ففى كل مرة كانت افعل فيها اى شىء تنتقدنى عليه وتوبخنى وتعايرنى بالاسود فى حين انها كانت دوما ما تمدح فى اخى وتكافاه على اقل شىء يفعله
اصبحت اكرهه واغار منه بل فى كل مرة كانت امى تنهرنى فيها كنت اكسر له شىء من العابه وربما اسرق ادواته كذلك
ابى كان سلبى ولا ينهر امى على التفرقة بل على العكس كنت اجده يتفاعل كذلك مع اخى فتعجبت على الرغم انى انا الذى عانيت لانى ولدت شكله ولونه فلماذا يحب اخى ولا يحبنى
ابى مات وساءت حالة امى النفسية وساءت معها معاملتها لى واصبحت تعتمد فى كل شىء على اخى وانا لا وان عاتبتها تقول انك ضعيف لا تتحمل اى مسئوليه واسود فكنت اكرهها اكثر واصبحت اسرقها هى الاخرى 
اصبحت اكره البيت على الرغم ان مدرسى شجعنى ان اشترك فى رياضة التنس وبالفعل اشتركت واخذت بطولات كثيرة الا ان هذا لم يشفع لى عند امى ولم تتباهى بى بل ظلت تحب اخى الهادىء الذى كان ماكرا يتصنع رضاها ليكسب ودها اكثر وكانت الطامة عندما كنت ادرس فى السنة الاخيرة فى كلية الهندسة وفاجاتنى بانها ستتزوج فقلت فى نفسى اتريد ان تشبع رغباتها من الرجال ولا تشبع رغباتها فى حنانها لابنها انها لا تصلح لان تكون ام فى حين انى وجدت اخى الذى صار طبيبا يهنئها على تلك الزيجة فققلت فى نفسى ايها الماكر انت تهنئها حتى لا تحرم من ميراثها فسرقت كل مجوهراتها وكل الاموال الموجودة فى البيت وهربت حتى احرمها من اى لذة فى الحياة كما حرمتنى انا الحياة نفسها وحتى لا يجد اخى ما يرثه والذى جعله يبارك لها تلك الزيجة ولكنى وجدت نفسى ضائع بلا هوية ففشلت فى دراستى وصادفت اصدقاء السوء فادمنت المخدرات فقاربت ان افلس وفشلت فى دراستى ولم اعد احرز اى شىء فى رياضتى المفضلة انا فاشل .انا فاشل . بل انا اسود
اخذ الشاب يبكى بهيستيريا
كان وليد يستمع له بجدية ويدون امامه بعض الملاحظات ولم يحاول ان يقاطع الشاب ولا حتى اثناء بكاءه
سادت فترة صمت وبعدها ارسل وليد احدى الممرضات بكاسا من الليمون وقال له اشربه لتهدامن حالك
بدا الشاب يهدا قليلا فى انتظار ان يتحدث وليد ولكنه ابتسم ابتسامة رضا عندما سمع وليد يبتسم له ويقول : اول مرة اعلم ان السمار ليس بجمال بل كنت اعلم ان السمار هو كل الجمال فهذه معلومة جديدة فكنت احسب ان من هو اسمر انما يفتخر بسماره وجماله

العنود والغول..الجزئين .. للكاتبة رباب عبد الصمدحيث تعيش القصص. اكتشف الآن