الفصل الثاني والثلاثون
اقتربت من أخيها الذي كان يجلس على حجر أمام قبر والدته وينظر إليه بصمت أو بمعنى أدق صدمة ، لم يمكن يتخيل أن هذا اليوم سوف يأتي وسيعيش أحداثه ، دائمًا ما كان يسمع عن أخبار الوفاة وموت أشخاص أعزاء على أقاربه لكنه لم يتخيل أنه سيكون ضمن هؤلاء الأقارب الذين فقدوا أعز ما يملكون ، لم يصدق أنه هنا الآن أمام قبر والدته التي كانت تنصحه وتتحدث معه بالأمس ، تخيل للحظة أنه في كابوس وسيستيقظ منه في أي لحظة لكنه ظل مكانه ولم يحدث شيئا فنظر إلى الأسفل بحزن ، شعر بجلوس شقيقته بجواره فنظر لها ليجدها غارقة في دموعها وهي ترمق قبر والدها بصدمة وحزن شديدين فحاوطها بذراعه وضمها إلى صدره بحنو شديد وهو يقول :
- ماما في مكان أحسن بكتير من هنا .. مكان مافيهوش وجع قلب ولا تعب ولا حزن .. مافيهوش ناس حقودة ولا بتتمنى الشر لحد .. مكان نقي وجميل ، أنا معاكِ إننا مش قادرين نستحمل فراقها ومصدومين بس المفروض بدل ما نعيط ندعيلها ونفرح إنها استريحت من التعب اللي كانت بتعيشه كل يوم ، ماما شافت سنين صعبة كتير أوي ، تقريبا عمرها كله كان تعب وشيل مسئولية ودلوقتي بس قدرت تستريح ولازم احنا نكون أولادها الصالحين اللي دايما مش ناسينها ونفضل ندعيلها في كل صلاة .. صح كلامي ؟
هزت رأسها بالإيجاب ومسحت دموعها وهي تقول :
- صح بس أنت بتبقى نص اليوم في الشغل وأنا الوقت ده كنت بذاكر وبخلي ماما تسمعلي وأحيانا كنت بقعد أتكلم معاها ونقعد نسلي بعض لكن دلوقتي هبقى وحيدة ، هتوحشني ضحكتها أوي .. هيوحشني دعاويها ليا وكلامها اللي كان بيشجعني على المذاكرة
مسح على رأسها بحب وضمها إلى صدره أكثر وأردف :
- اعتبريها معاكِ وشجعي نفسك على المذاكرة ، أقولك ! الموبايل بتاعي في أسبوع العيد ده اتصورنا مع بعض صور كتير أوي .. الموبايل ده جه في وقته علشان نتصور معاها صور كتير وتبقى ذكريات .. أنا هجيبلك موبايل وأبعتلك الصور دي ووقت ما تحسي إنك مفتقداها أوي افتحي الصور وبصيلها واعتبري نفسك بتعيشي نفس الموقف تاني .. مش هتحسي بوحدة بالعكس هتبتسمي وتحسي إنك معاها تاني وأنا لما اجي من الشغل ليكِ عليا أقعد معاكِ وأرغي زي ما تحبي وأسمعلك كمان اللي عايزاه
هزت رأسها بالإيجاب وسندت برأسها على صدره وهي تنظر إلى قبر والدتها دون أن تنطق ...***
دلفت «نيران» إلى غرفة العمليات وقامت الطبيبة بإعطائها المخدر الموضعي وبدأت في قطع مكان الشريحة بهدوء وبعدها وضعت أداة صغيرة داخل الجرح وبحركة خفيفة انتزعت تلك الشريحة التي كانت في نهايتها مصباح صغير جدا يضئ باللون الأحمر والأزرق معا ، قامت بتطهير الجرح وقامت بتغطيه بقطن ولاصق طبي ، التفتت برأسها نصف التفاتة وقالت :
- خلاص كدا يا دكتور ؟
أجابتها وهي تقوم بلصق اللاصق الأخير :
- أيوة خلاص .. حمدلله على سلامتك
اعتدلت في جلستها بحذر ونظرت إلى تلك الشريحة بتعجب وحاولت الإمساك بها إلا أن الطبيبة قامت بمنعها قائلة :
- بلاش تمسكيها علشان منضمنش فيها ايه ، اللواء أيمن هيبعت حد متخصص يفحصها
هزت رأسها بالإيجاب وتراجعت عن مسكها ثم نهضت من مكانها واتجهت إلى اللواء «أيمن» وقبل أن تتحدث خرج «طيف» من غرفة العمليات وأسرعت والدته إليه وهي تقول بسعادة :
- حبيب قلبي حمدلله على سلامتك
حضنها بحب وقال :
- الله يسلمك يا حبيبتي .. مش قلتلك متقلقيش
تركها واقترب من والده وردد بابتسامة :
- خطتنا نجحت
بدلت نظراتها بين «أيمن» وزوجها «طيف» بتعجب وأخيرا تحدثت :
- أنا مش فاهمة حصل ايه وليه عملنا العملية كلنا في وقت واحد وخطة ايه اللي بتتكلموا عنها !
اختفت ابتسامة «طيف» ونظر إلى والده بتردد ليتحدث هو بدلا عنه لأنها ستحزن كثيرًا عندما تعرف أن الأمر تم دون علمها ، فهم والده القصد من نظرته وبدأ في سرد الخطة منذ بدايتها :
- اللي حصل إني اتفقت مع زين وطيف في المكتب الصبح بعد ما أنتِ مشيتِ وحطينا خطة إنكم كلكم هتعملوا العملية في وقت واحد وهنستخدم جهاز تشويش على إرسال الشرايح علشان نضمن سلامتكم لأني لما سألت طلع الموضوع جد ، اتفقنا ازاي بقى ! كتبنا على ورق خطتنا واتفقنا إنها تكون بينا احنا التلاتة وبعدها بلغت رماح بالتفاصيل ، مارضيتش أقولك أنتِ ولا فاطمة علشان كل حاجة تبقى طبيعية حتى توديع طيف وكلامكم لأنهم المفروض كانوا بيسمعوا ده غير إنك ماكانش ينفع تعرفي علشان مشيتِ ولو كنت كلمتك تيجي كانوا هيشكوا إن في حاجة ، حتى أسماء ماعرفتش حاجة علشان توديعها لطيف يبقى طبيعي ، بلغت زين يجي هنا وقت العملية وكلمت نيسان أختك تجيب فهد وتيجي هنا والمفروض زمانه خلص العملية دلوقتي تحت
هزت رأسها بحزن وسألت سؤال آخر :
- وازاي اشتغل جهاز التشويش ده ؟
ابتسم «أيمن» وأجابها :
- حد تبعهم حب يتعاون معانا وعرفنا تردد الشرايح وازاي نشوش على الإشارة وبناءً عليه الخطة دي اتحطت والحد ده محدش يعرفه غيري أنا وطيف وزين
نظرت إلى «طيف» بصدمة ورددت بحزن :
- أنت كنت عارف كل ده وماحاولتش تقولي حتى لو بكتابة ! ده أنا المفروض مراتك يعني تشاركني كل حاجة !!
كان على وشك النطق إلا أن والده أوقفه وتحدث عنه :
- دي كانت أوامري يا نيران علشان كل حاجة تبان طبيعية ووقت ما يقرروا يخلصوا عليكم عن طريق الشريحة يلاقوا عائق التشويش ونبقى انتصرنا عليهم في المعركة دي ، طيف كان بينفذ الأوامر بس وبعدين ركزي في الجانب الإيجابي وهو إنكم كلكم الحمدلله قمتوا بخير
هزت رأسها بالإيجاب وابتسمت نصف ابتسامة قبل أن تبتعد عنهم لتبقى وحدها خاصة بعد أن شعرت بالوحدة وسطهم.
ترك «طيف» والده واتجه ناحيتها وما إن أصبحت أمامه مباشرة حتى وضع يده على كتفه فأبعدت نفسها بسرعة ، رفع يديه أمامها وقال بأسف :
- أنا آسف إني خبيت عليكِ .. مش هقولك علشان دي أوامر بابا والكلام ده لكن أنا أصريت إني أخبي علشان خايف عليكِ أنتِ .. خوفت يعرفوا أي حاجة وده يتسبب في إني أخسرك طول عمري ، مش مهم نفسي المهم أنتِ
انهمرت دموعها وحركت رأسها بحزن وهي تقول :
- ماتحاولش تخدعني بالكلام ده لأن اللواء أيمن قال إن في جهاز تشويش يعني حتى لو اكتشفوا اللي بيحصل ماكانوش هيقدروا يعملوا حاجة أصلا
رفع إحدى حاجبيه وهو يقول معترضًا :
- مين قالك كدا !! لو كانوا عرفوا كانوا غيروا تردد الشرايح كلها وساعتها لما نشوش مفيش حاجة هتأثر وهنموت كلنا ! الراجل اللي بلغ بابا قاله إنهم هيستنوا لآخر لحظة قبل نزع الشريحة وبعدين يصدروا الأمر بالموت فورا لأن دي طريقتهم لكن باللي حصل ده احنا كلنا نجحنا وأنا عمري ما خبيت ولا هخبي حاجة عنك إلا لو كانت لحمايتك
هزت رأسها بالنفي ورددت :
- كان ممكن تقولي عن طريق إنك تكتبلي رسالة أو حتى تيجي بيت بابا وتكتب في ورق زي ماأنا عملته في الخطة
تنفس بأريحية ونظر إلى عينيها وهو يقول :
- أولا ممكن تكون رسايلنا ومكالماتنا متراقبة ومش أنا اللي هعرفك الكلام ده يا نيران ثانيا بقى لو كنت جيتلك بعد أوامر بابا بإن كل واحد يروح البيت وكدا كانوا هيشكوا إن حصل حاجة وحكاية تغيير التردد ده الراجل ده حذر بابا منها كتير وقاله إنهم لو حسوا بحاجة هيتغير التردد على طول ، كل ده كنت خايف عليكِ وعلينا والله مش علشان حاجة
ابتسمت بسخرية وتراجعت خطوة إلى الخلف استعدادا للرحيل وقالت :
- للأسف سيادة اللواء بيبلغك أنت ورماح وزين بس ومابلغناش انا وفاطمة علشان احنا كبنات ممكن نرتكب أخطاء لكن احنا زينا زي الرجالة ونقدر نمثل ونأدي دورنا كويس أوي بس أنتوا عمركم ما هتفهموا ده ، بعد اذنك
رحلت وتركته في حالة من الدهشة والتعجب مما قالته وظل هكذا إلى أن اقترب منه «زين» ووضع يده على كتفه وهو يقول :
- حمدلله على سلامتك يا بطل .. الخطة نجحت
نظر إليه «طيف» وردد بابتسامة :
- الله يسلمك ومبروك انضمامك للفريق معانا
- الله يبارك فيك ، صحيح لاحظت إن مراتك متضايقة ومشيت على طول وأنا جاي عليك
نظر إلى الأسفل بحزن ثم رفع رأسه وقال مازحًا :
- طلعت الرجالة أنانيين وبنضطهد المرأة علشان خبيت عنها الخطة ، هسيبها تهدا شوية وهروح أكلمها تاني
وضع يده على كتفه وقال بابتسامة :
- طبيعي يبقى ده رد فعلها علشان خبيت عنها ، ماتفضلش واقف كدا وروح دلوقتي راضيها
هز رأسه بالإيجاب وتحرك بالفعل وأثناء رحيله تفاجأ بـ «فهد» فأسرع وصافحه قائلا :
- حمدلله على سلامتك يا بطل
أجابه بسعادة :
- الله يسلمك يا طيف
نظر «طيف» إلى «نيسان» التي لم تفارقه منذ بداية الأزمة وقال :
- ازيك يا نيسان .. ربنا يخليكم لبعض
ابتسمت وردت عليه :
- الحمدلله بخير يا طيف .. صحيح فين نيران مش معاك ليه
عبثت ملامحه واجاب بحزن :
- شدينا مع بعض شوية في الكلام ومشيت ،
أختك دي مجنونة والله
ضحكت على جملته وأجابته بثقة :
- طول عمرها مجنونة ومتهورة وقلت هتعقل لما تتجوز بس على اد كدا قلبها طيب .. روحلها وكلمها وهتنسى أي حاجة على طول
هز رأسه بالإيجاب وبدل نظراته بينهما بابتسامة وهو يقول :
- طيب أسيبكم أنا بقى .. سلام
أنت تقرأ
بنت القلب "سلسلة عالم المافيا"
Actionرواية بنت القلب الجزء الاول من "سلسلة عالم المافيا" رواية كوميدية ، اكشن ، رومانسية بقلم عبدالرحمن أحمد 2020