الفصل السادس عشر

11K 457 7
                                    

(( امرأة العُقاب ))
_ الفصل السادس عشر _

ظلت هي تتابعه بعينان شاردة ومنطفئة حتى فشلت أخيرًا بعد ساعات من محاولاتها لمنع دموعها من السقوط .. انهمرت أخيرًا دموعها على وجنتيها بصمت وهي تتطلع إليه في أسى .. ظلت تحدق به من خلف الزجاج في ثبات مزيف وعيناها تنهمر منها الدموع بصمت تام .. قلبها يؤلمها حين تعصف بذهنها أفكار سيئة حول سوء حالته الصحية ، وهمسة خافتة خرجت منها بأعين بائسة ومتوسلة :
_ أنا طلبت منك تسيبني .. بس مش دي الطريقة اللي تسيبني بيها .. هنا محتجاك يا عدنان ، قوم

أتاها صوت آدم الخافت من خلفها وهو يقول :
_ جلنار !
رفعت أناملها وجففت دموعها بسرعة ثم التفتت له بجسدها كاملًا وردت :
_ نعم
آدم برزانة :
_ إنتي تعبتي ، عم حامد مستني برا .. روحي البيت وأنا موجود هنا وهبلغلك بأي تطورات متقلقيش
التفتت برأسها نحو عدنان وهتفت رافضة وهي تهز رأسها بالنفي :
_ لا أنا هفضل موجودة لغاية ما يفوق
آدم متنهدًا بعدم حيلة :
_ وجودك مش هيفيد بحاجة والله صدقيني .. ريحي في البيت وتعالي بكرا الصبح
جلنار بإصرار :
_ قولتلك مش همشي يا آدم
_ جلنار بلاش عناد .. اسمعي الكلام حتى ماما وفريدة هيروحوا البيت ، وإنتي كمان لازم تمشي عشان هنا مينفعش تسبيها وحدها

عندما نطق باسم هنا .. لان اصرارها قليلًا والتفتت بنظرها تحدق بعدنان في تمعن قبل أن تعود بنظرها لآدم وتقول بعينان راجية :
_ طيب همشي بس وعد إنك هتتصل بيا لو حصل أي حاجة .. وكمان أول ما يفوق كلمني
ابتسم لها بلطف وتمتم بإيجاب :
_ حاضر هتصل بيكي والله متقلقيش
تنهدت الصعداء بحرارة وهي تلقي النظرة الأخيرة عليه من خلف الزجاج ثم استدارت وسارت مبتعدة عن الغرفة بصعوبة كمن أجبرت على الرحيل .. وصلت إلى بوابة المستشفى بعد لحظات من السير للخروج من المستشفى .. وجدت حامد بانتظارها أمام السيارة فأخذت نفسًا عميقًا واقتربت منه ثم استقلت بالمقعد الخلفي للسيارة واستقل هو بمقعده ثم هتف هو يسألها بتأكيد :
_ عند الحجة انتصار مش كدا ياهانم ؟
اماءت له بالإيجار في وجه عابس وتمتمت :
_ أيوة ياحامد

                                     ***
داخل منزل الخالة انتصار .....
كامنة في غرفتها منذ عودتها ، تجلس على مقعد خشبي قديم أمام النافذة ومستندة بمرفقها عليه واضعة كفها أسفل وجنتها ، تتأمل الفراغ من أمامها بشرود وعينان دامعة .. لا تفهم لما البكاء لكن قلبها يؤلمها عليه وهناك صوت خافت في أعمق ثناياها ينادي به .. يرغب في رؤيته سالمًا يتحدث وربما أيضًا يغضب كعادته وينشب شجار عنيف بينهم ككل مرة .

فتحت هنا الباب بهدوء ودخلت ثم اقتربت من أمها ، فجففت جلنار دموعها بسرعة والتفتت برأسها تجاه ابنتها تقابلها بابتسامة حانية ، حتى وصلت ووقفت أمامها فسألت الصغيرة بعبوس :
_ هو بابي ليه مجاش ياماما ؟
ازدردت جلنار غصة مريرة في حلقها ثم انحنت عليها وطبعت قبلة دافئة على جبهتها متمتمة بعينان دامعة :
_ بابي تعبان شوية ياروحي .. والدكتور قاله لازم يقعد عنده لغاية ما يخف ، وعشان كدا هو قعد مع الدكتور في المستشفى .. بس وعد إنه أول ما يبقى كويس هنروح أنا وإنتي ونشوفه
زاد عبوس الصغيرة وتحول إلى حزن فور سماعها بمرض أبيها ، ثم قالت بملامح وجه بائسة لا تليق بوجهها الملائكي الصغير أبدًا :
_ بس أنا عايزة اسوف ( اشوف ) بابي هو وحشني
تمالكت جلنار زمام دموعها بصعوبة وردت عليها مبتسمة بثبات مزيف :
_ مش هينفع ياحبيبتي الدكتور قال مينفعش حد يشوفه .. أول ما يبقى كويس زي ما قولتلك هاخدك ونروحله ، تمام ؟
هزت رأسها بالموافقة مغلوبة على أمرها ثم طرحت سؤالها الثاني وهي تمعن النظر في وجه أمها وعيناها السابحة في الدموع :
_ إنتي زعلانة عشان بابي تعبان ؟
أخذت نفسًا عميقًا في محاولة بائسة منها لمنع دموعها من الأنهمار لكنها فشلت وسقطت دمعة متمردة من عينها .. ثم هزت رأسها بإيجاب تؤكد سؤال صغيرتها وهي تفرد ذراعيها وتضمها إلى أحضانها ، فلفت الصغيرة ذراعيها حول رقبة والدتها وردت بحزن طفولي :
_ وأنا كمان زعلانة
بتلك اللحظة انهارت جميع حصونها الضعيفة وتوالت الدموع على وجنتيها بغزارة لكن دون صوت ، دموع ألم وخوف وشجن .. أبدًا لم تتخيل أن يأتي يوم وقلبها ينفطر حزنًا وخوفًا عليه من الفقدان .

امرأة العُقاب .. للكاتبة ندى محمود توفيقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن