الفصل الثالث والعشرون

10.2K 465 13
                                    

(( امرأة العُقاب ))
_ الفصل الثالث والعشرون _

يجلس فوق أريكة عريضة رافعًا ساقًا فوق الأخرى ويبسط ذراعه على الحافة العلوية من الأريكة ، متطلعًا بنظراته المميتة في ذلك الرجل الجالس أمامه باضطراب وخوف .. كان هدوئه مريبًا لا يبشر بخير وهو ينتظر أن يبدأ في الحديث ، لكن الصمت طال وبدأ يفقد صبره فصاح به بصوت جهوري :
_ انطق
اجابه الآخر بنبرة مرتبكة :
_ نادر هو اللي طلب مني اروح لسليم بيه و...
صاح به عدنان بعينان تطلق شرارات نارية مرعبة :
_ غيره .. أنا عارف إن نادر هو اللي سرق الملفات .. فاكرني جاي هنا عشان اسمع الكلمتين دول
_ عايز تعرف إيه ؟
عدنان بصوت خافت ومخيف :
_ كله
حدجه الرجل بارتباك وتردد للحظات ليست بطويلة ، يفكر هل يخبره بكل شيء يعرفه عن نادر أم لا .. لكن ليس هناك خيار آخر أمامه هو محاصر بين ذئب بشري لا يرحم .
أخذ نفسًا طويلًا قبل أن يتكلم بصوت مضطرب :
_ نادر هو اللي خطط للحادث اللي إنت عملته .. كان عايز يخلص منك عشان يفضاله الجو تمامًا من كل الجهات

تشنجت عضلات وجهه فور سماعه لآخر جملة فقد وصل للنقطة المنتظرة منذ بداية الحديث والسبب في قدومه لهنا .
عدنان بنبرة محتدمة ونظرة قاتلة :
_ جو إيه اللي يفضاله ؟!
صمت الرجل وهو يتطلع له بخوف مترددًا في أن يكمل ، فقد وصل للنقطة الأخطر على الإطلاق .. لم يكن يتوقع أنه استنفذ طاقة صبر عدنان كلها وأصبح كالوحش الجائع هكذا حيث وجده يثب واقفًا من الأريكة ويندفع إليه يجذبه من لياقة قميصه صائحًا :
_ جو إيه !
_ مراتك فريدة وهي اللي ساعدته أنه ياخد نسخة من مفاتيح مكتبك في الشركة عشان يقدر يسرق الملفات

لحظة من الصمت القاتل مرت وقد ارتخت عضلات وجهه ويده ، الآن اتضحت الصورة كاملة أمام عيناه وتأكد من شكوكه حولهم .. شعر الرجل بالخوف الحقيقي وهو يرى ابتسامة بسيطة تنبع بالشر ارتفعت لثغره ، وكأنه هدوء ما قبل العاصفة ، ثم تركه وانتصب في وقفته وهتف بنظرات شيطانية بعد أن أخذ مبتغاه وحصل على سبب قدومه لهنا :
_ البوليس مستنيك تحت .. لتكون كنت فاكر إن اللي عملته ده هيعدي من غير عقاب ، تبقى لسا متعرفنيش .. أما **** نادر انا شايله الكبيرة وهيحصلك قريب بس مش قبل ما اصفي حساباتي معاه

ثم استدار واتجه إلى باب المنزل ليغادر بينما الآخر فوثب واقفًا بهلع وهرول إلى النافذة يتطلع للأسفل ، حتى يتأكد من حقيقة ما قاله وبالفعل وجد سيارة الشرطة تقف بالأسفل وفي طريقهم إليه بالأعلى الآن .. اسرع راكضًا للباب حتى يهرع في تصرف سخيف منه كمحاولة للهرب لكنه وجد ضابط الشرطة يقف أمامه  ! .

                                      ***
يشق الطرق بسيارته في سرعة هائلة .. ويده تقبض على مقود السيارة بقوة مريبة ، عيناه معلقة على الطريق لكن عقله بمكان آخر .. نظراته تقذف الرعب في اقوي واعتى الرجال .
أصبحت النقاط فوق الحروف الآن ، وبات يقرأ الحقيقة كاملة .. لا يعرف أهي حقيقة سذاجته وغبائه أم حقيقة زوجة منحها حب وثقة لا تستحقهم ، كان ينتظر أن يحصل على التأكيد لشكوكه حتى يطلق سراح الوحش المحجوز في قفص داخله ، وهاهي قد حانت لحظة إطلاقه .
توقفت سيارته أمام المنزل .. نزل منها وقاد خطواته السريعة للداخل ، مظهره يثير الرهبة في قلوب كل من يراه .. طرق عدة طرقات متتالية وعنيفة على الباب وماهي إلا لحظات وانفتح الباب وكانت أسمهان التي فتحت له ، لم تتمكن من التفوه بكلمة حيث وجدته يبعدها من طريقه ويندفع نحو الأعلى صاعدًا الدرج تمامًا كقنبلة القت وتعرف أين مكان وقوعها بالضبط .. ضيقت عيناها باستغراب ولحقت به فورًا لأعلى بقلق ، رأته يقتحم غرفته دافعًا الباب بعنف يفتحه عن مصراعيه ووقف لثانية وهو يغلي عندما لم يجدها ثم اندفع للداخل نحو الحمام وفتح الباب بقوة ولكن لا أثر لها أيضًا .. كان يزأر من بيت شفتيه كالأسد فالتفت لأمه يهتف بوجه محتقن بالدماء :
_ فينها !
ارتبكت أسمهان من مظهره وقلقت فلأول مرة تراه بهذه الحالة المخيفة .. ردت عليها بخفوت وريبة :
_ فريدة ؟!!
صرخ بانفعال :
_ أيوة هو مين غيرها في البيت
أسمهان بصوت يحمل الحيرة :
_ خرجت .. في إيه ياعدنان ؟
تقلصت عضلات وجهه وأصبح أكثر رهبة وهو يهتف بعدم استيعاب وكأن هدوء نبرته بداية لطوفان عاتي سيدمر المكان بأكمله الآن :
_ يعني إيه خرجت وراحت فين ؟!
باتت هيئة ابنها المرعبة تخيفها وتقلقها هي أيضًا خصوصًا أنها لا تفهم ما سبب تحوله هكذا .. لكنها ردت عليه بهدوء :
_ قالت رايحة تشتري كام حاجة وراجعة علطول
اندلع الطوفان وصرخ بصوت اهتزت له الجدران :
_ أنا مش قايل ومنبه رجلها متعتبش برا عتبة البيت 
أسمهان ببعض الخوف :
_ وأنا هقدر امنعها ازاي كل مرة إنت مش عارف مراتك يعني
ارتفعت ابتسامة مريبة ومخيفة على شفتيه وهو يجيب على أمه بإيجاب :
_ اعرفها طبعًا بس هي اللي لسا متعرفش عدنان الشافعي .. إنتي قولتيلي راحت تشتري حجات مش كدا ، تمام

امرأة العُقاب .. للكاتبة ندى محمود توفيقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن