(( امرأة العُقاب ))
_ الفصل التاسع والستون _
ارتفعت البسمة العريضة لشفتيها فور اختراق جملته الغريبة أذناها .. واستمرت بالتحديق به مبتسمة حتى رأته يعتدل جالسًا ويطالعها باستغراب وعدم فهم فاقتربت هي منه أكثر وهمست بنظرات كلها رقة ودلال :
_ إنت كنت بتحلم بيا ؟!!
لم يبتسم ولم يبدي ردود أفعاله الاعتيادية المحملة بالحنو والعبس ، بل بدا لها جامدًا متبلدًا المشاعر يستمر في التحديق بها بصمت حتى سمعت صوته الصلب على عكس النبرة الهلامية والعاطفية التي سمعتها منذ لحظات :
_ بتعملي إيه هنا ؟
عبس وجهها وتلاشت ابتسامتها كليًا .. ذلك السؤال شبه الاستنكاري منه ازعجها بشدة .. باتت لا تدري أهو يتصنع القسوة ليعاقبها أم أنها ردود أفعال تلقائية منه نابعة من بغضه ونفوره الحقيقي منها ! .
للحظة انتابها شعور سيء بالرغبة في البكاء وعيناها لمعت بعبارات صادقة لكنها شدت على محابسهم ومنعتهم من السقوط .. واستجمعت رباطة جأشها لتهمس بصوت مبحوح وهي تتطلع بعينها في ثبات وندم :
_ مش كفاية بقى ياعدنان .. أنا عرفت غلطي وندمت متقساش عليا !
ابتسم لها بمرارة وقال في جفاء جسده بمهارة أمامها :
_ لما دي بنسبالك قسوة أمال انتي كنتي إيه بقى !
أطلق سهمه بعبارته في الهدف بالضبط حيث جعلها تتصلب مكانها مدهوشة لا تقوى على الرد .. لكن سرعان ما وثبت واقفة تلحق به بعدما وجدته غادر الفراش وقبضت على ذراعه توقفه وتهتف ببؤس وعينان دامعة :
_ كان لازم اثق فيك ومسمعش لوساس عقلي .. وكان لازم اصدقك واسمع منك الأول واحكيلك اللي شوفته .. عارفة إني كان لازم اعمل كل ده بس كمان غصب عني ، حط نفسك مكاني للحظة واحدة وصدقني هتعذرني شوية .. أنا دايمًا كنت بخاف من شبح الماضي اللي اسمه فريدة ورغم إني عارفة انك مستحيل ترجعلها بعد اللي عملته .. بس دايمًا كنت ببقى خايفة تكون لسا بتحبها ، كان عقلي دائمًا بيفضل يحاول يقنعني بكدا .. ولما حسيت أن ليك فترة متغير بتتكلم في التليفون بعيد عني ومش بتقعد في البيت وبتيجي وش الفجر غصب عني شكيت ولما راقبتك وشوفتك داخل عندها قولت كدا أنا كل شكوكي صح وتخيلت إنك خلاص هترجعلها .. الحاجة الوحيدة اللي جات في بالي لحظتها إن الماضي هيرجع يعيد نفسه تاني وهترجع معاناتي من أول وجديد وأنا مهمشة ومليش وجود في حياتك ، وهرجع احس أن سبب وجودي الوحيد هو الأطفال .. في الوقت ده افتكرت كل حاجة ومكنش في بالي غير حاجة واحدة وهي اني لو كملت للحظة تاني هكون بهين نفسي وكرامتي من تاني
سكتت للحظة حين شعرت بعدم قدرتها على استكمال الحديث وشعرت بغصة مريرة في حلقها ودموعها تتصارع في السقوط فوق وجنتيها .. لكنها عاندت ضعفها أمامه واكملت بعينان يملؤها الرجاء والندم مع صوت يحمل بحة باكية :
أنت تقرأ
امرأة العُقاب .. للكاتبة ندى محمود توفيق
Romanceجميع الحقوق محفوظة للكاتبة استشاط غيظًا وصرخ بها مغتاظًا : _ جيبي الزفت التلفون ده على وشك مش بكلم نفسي أنا عدلت الهاتف ووجهت الكاميرا على وجهها لتصيح به في وجه أحمر من فرط الغيظ : _ متزعقليش فاهم ولا لا تمعن للحظات في صورة وجهها الظاهرة أمامه...