(( امرأة العُقاب ))
_ الفصل الخامس والعشرون _لأول مرة تسمع تلك الجملة منه .. هل حقًا يعتذر منها !! .. والآن !!! .. رغم أنه اعتذار ليس بوقته تمامًا وأنه كان عليه أن يفعله منذ وقت طويل إلا أنها تطلعت في عيناه فرأت الحزن والأسف الصادق ، نبرته العذبة لا تزال تتردد في أذنها .. طالت النظرات بينهم حتى قطعت هي اللحظة وهمست بهدوء :
_ آسف على إيه ؟
كان ذراعه لا يزال حول خصرها وبيده الأخرى أمسك بكف يدها يحتضنه بين كفه الضخم هامسًا في ندم :
_ على كل حاجة .. انتي عندك حق أنا فعلًا أناني ودلوقتي بدفع تمن انانيتي دي
لمسة يده اذابت الكثير وأثرتها بسهولة لا تصدق أن من يقف أمامه هو " عدنان " صاحب القلب المتحجر .. هل يعترف لها بخطأه حقًا ! .. يبدو أن حقًا الخراب الذي خلفته تلك المشؤومة لم يكن هينًا .. لمعت عيناها بالعبارات وردت عليه في ابتسامة تحمل القليل من السخرية مع الكثير من الألم :
_ يااااه .. دلوقتي بتقول الكلام ده .. اتأخرت أوي
عدنان بصوت خافت وجميل :
_ عارف إني اتأخرت بس حبيت أوضح ليكي ندمي حتى لو بمجرد كلمة .. كنت زي الأعمي ودلوقتي فتحت عيني وبدأت اشوف حجات كتير مكنتش شايفهارغم سعادتها بكلماتها لكنها لن تخنث وعدها مع ذاتها .. ستستمر في تنفيذ العهد حتى يحين الوقت المناسب ، تفهم جيدًا ألمه وندمه أنه فضل الأخرى عنها .. لكن ماذا إن كانت هذه مجرد مشاعر زائفة خرجت منه بلحظات عجزه وحزنه عندما شعر بحاجته لها .. هل سيتراجع ويتخلى بعد أن يستعيد رباطة جأشه أم سيستمر أثر الكلمات في الوجود والتجديد .. لا تعرف ويأسفها الاعتراف أنها تخشي الوثوق به ! .
استجمعت رباطة جأشها وابتسمت بلطف في وجه لا يحمل ضغينة أو غضب ، فقط ملامح هادئة وصوت ناعم خرج منها مع ثبات استمدته من أعماقها بصعوبة :
_ فاهمة ياعدنان .. بس أنا من وجهة نظري ياريت نأجل الكلام في الموضوع ده بعدين .. إنت دلوقتي مرهق وتعبان وأنا كمان عايزة أنامليس أحمق حتى لا يقرأ في عيناها نظرات الحزن وعدم الثقة .. لا تثق بكلامه وربما لا تصدقه حتى ولن يلومها فلديها الحق .. وكيف تأتي الثقة بين علاقة مبنية على اتفاقيات ورقية منذ البداية ! .
لم يضغط عليها ولم يتفوه بحرف آخر فقط ابتسم بدفء وانحنى عليها قليلًا يطبع قبلة رقيقة على جانب جبهتها هامسًا :
_ تصبحي على خير
بادلته الابتسامة لكن بأخرى باهتة وابتعدت من أمامه بعد ثلاث ثواني بالضبط واتجهت إلى فراشها تسطحت عليه وتدثرت بالغطاء وهي توليه ظهرها وتحدق بالفراغ أمامها في سكون تام .. تشعر بحركاته وهو يرتدي ملابسه دون أن تراه وبعد دقيقتين بالضبط سمعت خطوات قدمه تتجه نحو الباب وباللحظة التالية كان يفتح الباب وينصرف بعد أن اغلقه خلفه .. هبت فورًا جالسة وهي تعلق نظرها على الباب بتفكير تتساءل بين نفسها ( هل غادر المنزل أم خرج ليجلس بالخارج أو بالحديقة ! ) .. أزاحت الغطاء عنها ووقفت على قدميها ثم تقدمت بخطواتها نحو الباب تسير بتريث حتى لا تحدث أي ضجة .. وصلت عند الباب وامسكت بالمقبض وانحنت بجزعة للأمام وهي تديره ببطء شديد وكانت على وشك أن تجذب الباب إليها لكن دفعه هو من الخارج ودخل .. شهقت بفزع وتراجعت للخلف وهي ترمقه باضطراب بسيط .. فضيق عيناه متطلعًا لها باستغراب وقبل أن يسأل ما بها هتفت هي مسرعة بتوتر ملحوظ :
_ كنت رايحة اشرب
نزلت بنظرها إلى جسده فوجدته يرتدي بنطاله الأسود وفوقه قميصه المماثل للون البنطال وفوق قميصه جاكت جلدي لونه بني .. فسألت بعفوية :
_ إنت هتمشي تاني ؟!
اماء برأسه في إيجاب ثم اندفع نحو طاولة التسريحة يتلقط من فوقها مفاتيح سيارته ويعود في طريقه نحو الباب وهو يحدثها بنبرة رخيمة :
_ الصبح بدري قبل ما تصحي هنا هاجي .. عايزة حاجة ؟
أنت تقرأ
امرأة العُقاب .. للكاتبة ندى محمود توفيق
Romanceجميع الحقوق محفوظة للكاتبة استشاط غيظًا وصرخ بها مغتاظًا : _ جيبي الزفت التلفون ده على وشك مش بكلم نفسي أنا عدلت الهاتف ووجهت الكاميرا على وجهها لتصيح به في وجه أحمر من فرط الغيظ : _ متزعقليش فاهم ولا لا تمعن للحظات في صورة وجهها الظاهرة أمامه...