الفصل السابع عشر

11.7K 544 14
                                    

(( امرأة العُقاب ))
_ الفصل السابع عشر _

ارتدت الملابس الطبية الخاصة بالزيارة .. ووقفت أمام باب غرفته للحظة تسحب أنفاسها لصدرها في راحة ثم تخرجها زفيرًا متمهلًا ، وعلى ثغرها ابتسامة سعادة وشوق .
فتحت الباب ببطء شديد حتى لا تسبب إزعاج ، ودخلت ثم اغلقته خلفها ببطء أشد من السابق ، استدارت بجسدها له ورأته نائم في الفراش والأجهزة الطبية حول الفراش من الجهتين وبيده إبرة متصلة بانبوبة صغيرة تصل إلى زجاجة المحلول المعلقة بجانب فراشه .. تلألأت الدموع في عيناها في لحظة لكنها شدت على محابسهم بسرعة واقتربت بخطواتها الهادئة منه ، وقفت بجانب فراشه بالضبط واستغرقت لحظات قصيرة وهي تمعن النظر في وجهه الشاحب ، فلم تتمكن من حجز دموعها أكثر فانهمرت على وجنتيها بغزارة .. مدت يدها الناعمة وامسكت بيده الكبيرة ، احتضنت كفه بقوة تستشعر لمسة يده التي ترغب بالشعور بها لأول مرة .. وعيناها لا تتوقف عن زرف الدموع .
توقفت عن البكاء وتجمدت ملامحها حين شعرت به يضغط بوهن على كفها الممسك بيده ، وباللحظة التالية يفتح عيناه ببطء في تعب وتخرج همسة خافتة منه :
_ جلنار
تهللت اساريرها وعلت الابتسامة الواسعة شفتيها فور سماعها لصوته ورؤية عيناه ، طالعته بنظرة دافئة دون أن تجيب ، فمال هو برأسه بعض الشيء وتطلع لوجهها وعيناها الغارقة بالدموع فلاحت شبح ابتسامته الواهنة على شفتيه وهمس بصوت بالكاد يسمع وهو يزيد من ضغط يده على كفها :
_ متعيطيش أنا كويس
ردت عليه أخيرًا بصوت ناعم كلمسة يدها تمامًا بعينان معاتبة ودامعة :
_ كنت عايز تفارقني واحنا متفقناش على فراق زي كدا
ازدادت ابتسامته اتساعًا وحرك إبهامه بضعف على كفه الصغير يملس عليه متمتمًا بصوت بدأ يظهر عليه التعب الحقيقي :
_ متخافيش .. طول ما فيا النفس .. يبقى .. مفيش فراق
وضعت كفها الآخر فوق يده وملست على ظهره بلطف متمتمة باهتمام وقلق :
_ طيب متتكلمش كتير عشان متتعبش .. وشد حيلك أنت بس وقوم بالسلامة يلا عشان هنا واحشتها اوي وكل دقيقة بتسألني عليك وعايزة تشوفك
خرجت همسة خافتة بابتسامة جانبية بها بعض اللؤم :
_ هنا بس ؟!
ابتسمت وهي تشيح بوجهها الجانب الآخر في عدم حيلة منه ، ثم قالت بوداعة :
_ أنا هطلع عشان مينفعش أفضل وقت طويل .. وإنت ارتاح

سحبت يدها من بين يده ببعض الصعوبة كأنه لا يرغب بتركها ، ثم ألقت نظرة مطولة عليه تبادلا فيها النظرات قبل أن تستدير وتنصرف مسرعة .
خرجت وبدأت تنزع عنها الملابس الطبية فاقترب منها آدم وتمتم يسألها :
_ كلمك ؟
هزت رأسها بالإيجاب في ابتسامة وهتفت :
_ أيوة الحمدلله هو كويس .. بس طبيعي بيتعب من الكلام الكتير زي ما قال الدكتور فمخلتهوش يتكلم كتير وطلعت علطول

تنهد آدم تنهيدة حارة براحة ، ثم ابتسم وطالعها بنظرة ذات معنى :
_ الحمدلله .. وإنتي بقى ؟
فهمت ما يرمي إليه فبادلته الابتسامة وقالت بخفوت وهي شبه ضاحكة تعطيه الإجابة المقصود سؤاله من أجلها :
_ بقيت كويسة .. المهم إنت مش هتدخل تشوفه
_ لا لا أنا تمام .. وهو حالته مستقرة وكويس الحمدلله يعني ممكن بكرا الصبح يطلع من العناية وهشوفه
ثم استكمل كلامه في شيء من المشاكسة اللئيمة وهو يضحك :
_ بعدين أنا اخدت ثواب فيكي إنتي وماما ، حالتكم تصعب على الكافر .. بس ماشاء الله اللي يشوفك وإنتي طالعة من عنده ميشوفكيش وإنتي داخلة
رفعت جلنار حاجبها مبتسمة باستنكار وقالت بضحكة مكتومة :
_ لم الدور يا آدم !
قهقه بصوت مرتفع قليلًا ثم هتف ببعض الجدية :
_ طيب خلينا في الأهم .. تعالي نقعد شوية عايز اتكلم معاكي قبل ما توصل ماما وفريدة

امرأة العُقاب .. للكاتبة ندى محمود توفيقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن