(( امرأة العُقاب ))
_ الفصل الرابع والأربعون _
( الجزء الثاني )في الهواء الطلق ، والظلام الذي يملأ كل مكان من حوله كان هو جالسًا فوق المقعد العريض بالحديقة وعيناه عالقة على زجاج نافذة غرفتها بالأعلى .. الألم يأكل في قلبه دون رحمة .. بيوم وليلة تبدلت حياتهم السعيدة والهادئة إلى أخرى ممتلئة بالغضب والقسوة .. وأكثر ما يؤرقه اتهاماتها السخيفة له ! .. هل سنين صداقتهم وعلاقتهم القوية ببعضهم لم تشفع له عندها حتى تظن به السوء ! .
ابعد أنظاره عن زجاج نافذتها حين رأى الضوء البني الخافت يملأ الغرفة .. لا تقوم بإضاءة ذلك الضوء إلا قبل النوم .. اخفض رأسه أرضًا ودفنها بين كفيه يشد على خصلات شعره السوداء الغزيرة بقوة .. يكاد عقله ينفجر من كثرة التفكير .. فهو محاصر بين النيران العالية وإما أن يهدأ منها قليلًا أو تحرقه ! .استقام واقفًا بعد دقائق وسار لداخل المنزل ثم صعد الدرج متجهًا إلى غرفته .. لكن قدماه توقفت لا إراديًا أثناء مروره من أمام غرفتها .. عاند قلبه المشتاق وحاول تجاهله لكنه لم يقوى على الصمود أمام أشواقه حيث أطلق زفيرًا منخفضًا مغلوبًا وتحرك بهدوء نحو غرفتها .. ليقف أمام الباب لبرهة من الوقت قبل أن يحسم قراره ويمد يده ليمسك بالمقبض ويديره ثم يدفع الباب برفق شديد ويدخل ويغلقه خلفه .
تسمر عند الباب عندما رآها نائمة في فراشها وترتدي ثوب قصير وردي اللون بحمالات رفيعة ولا تضع الغطاء فوق جسدها .. اشاح بنظره عنها مسرعًا خشية من أن يفقد زمام تحكمه بنفسه .
حتى في غضبهم لا يتمكن من مقاومتها !! .
اقترب منها بتريث لكي لا تستيقظ وجثى أمام الفراش يجلس القرفصاء يتطلعها بضيق ثم انحنى عليها وطبع قبلة رقيقة فوق جبهتها هامسًا بصوت مهموم :
_ مكنتش اتوقع اسمع منك الكلام ده .. إنتي اكتر حد كنت بقول إنك فهماني وبتفهميني من غير ما اتكلم حتى يا نادين .. بس اتضح إني غلطان .. كلامك كان قاسي أوي وجرحني
اخذ نفسًا عميقًا بعد لحظات طويلة من الصمت وهو يتمعنها ثم هب شبه واقفًا ومال عليها يمد يده ليلتقط الغطاء ويرفعه فوق جسدها ليدثرها وبتلقائية رغم انزعاجه منها يبتسم ويقول برغبة :
_ ربنا يسامحه خالك اللي مش عايز يجي ده عشان نعمل الفرح وارتاح .. بدل العذاب اللي أنا فيه دهوكأن عقلها ارسل لها إشارات أثناء نومها بوجود أحد معها حيث فتحت عيناها فجأة بعفوية .. لتنطلق منها صرخة مرتفعة فور رؤيتها له .. اسرع هو وكتم على فمها بقبضة يده العريضة يحدقها منذرًا بعينان متسعة ثم يهتف :
_ هشششش هو أنا ناقص مشاكل مع خالتي كمان
هدأت نبضات قلبها المتسارعة من أثر الفزع ونفرت يده عن فمها بقوة تهتف بغضب :
_ شو عم تسوي هون بغرفتي !
انتصب حاتم في وقفته وقال بخشونة وجدية مغلفة بالكذب :
_ سمعت صوتك وافتكرت في حاجة حصلت فدخلت اشوفك
نادين بغيظ :
_ والله ! .. وشو بتعمل فوق راسي على السرير لكان
حاتم بخنق من أسلوبها :
_ لقيتك مكشوفة وكنت يغطيكي بدل ما تستهوي
نادين ساخرة وبقرف :
_ استهوي .. شو يعني !
مال عليها بنظرات مشتعلة وقال كاتمًا غيظه عنها :
_ يعني اتكلمي مع جوزك بأدب وبلاش تنرفزيني
غمغمت بتهديد صريح وشراسة :
_ اطلع لبرا يا حاتم وإلا والله بصرخ وبسمع الخالة إنك هون بغرفتي وبدك تتحرش فيني
فغرت عيناه بدهشة وسرعان ما أجابها ضاحكًا :
_ أه هتتبلي عليا يعني .. بس مفيش راجل بيتحرش بمراته
أنت تقرأ
امرأة العُقاب .. للكاتبة ندى محمود توفيق
Romanceجميع الحقوق محفوظة للكاتبة استشاط غيظًا وصرخ بها مغتاظًا : _ جيبي الزفت التلفون ده على وشك مش بكلم نفسي أنا عدلت الهاتف ووجهت الكاميرا على وجهها لتصيح به في وجه أحمر من فرط الغيظ : _ متزعقليش فاهم ولا لا تمعن للحظات في صورة وجهها الظاهرة أمامه...