الفصل الثامن عشر

11.1K 480 10
                                    

(( امرأة العُقاب ))
_ الفصل الثامن عشر _

نظرات طويلة استقرت في عيني عدنان وهو يتطلع إليها ، تجلس أمامه على أريكة صغيرة ومعلقة نظرها على النافذة تتأمل السماء من خلالها .. شعرها يتطاير بخفة فوق كتفيها وظهرها بفعل نسمات الهواء الباردة وتستند بمرفقها فوق ذراع الأريكة وتضع كفها أسفل وجنتها ، استمر لدقائق طويلة يتأملها بينما هي تتأمل السماء ! .
حتى أصدر تنهيدة حارة وتمتم بخفوت :
_ اقفلي الشباك ياجلنار هتبردي
ردت عليه دون أن تحيد بعيناها إليه :
_ مش بردانة
ثم زفرت والتفتت برأسها له تسأله باهتمام :
_ إنت بردت ؟
حرك حاجبه وشفتيه بمعنى لا وهو يبتسم فتنهدت وعادت تنظر للسماء من جديد ، مرت لحظات طويلة حتى سألت بنبرة خافتة تحمل بعض التردد :
_ فريدة كانت موجودة قبل ما آجي .. مقعدتش معاك ليه ؟
عدنان بجفاء :
_ أنا مشيتها
_ ليه ؟!
كان سؤالًا تلقائيًا منها وحصلت على إجابته بالصمت وهو يلوى فمه بصلابة وجه .. تفهمت رغبته في عدم الحديث فهزت رأسها بتفهم ثم قالت وهي تتمدد على الأريكة الصغيرة :
_ أنا هنام ، تصبح على خير
عدنان بنظرات دقيقة :
_ الكنبة صغيرة وإنتي مش بتعرفي تنامي غير على السرير ، يعني مش هترتاحي .. تعالي جمبي
اطالت التحديق به في صمت لثواني ثم هتفت رافضة وهي تعتدل بجسدها لكي تلائم صغر تلك الأريكة :
_ لا أنا مرتاحة

ردود مختصرة وجافة تجيب بها عليه منذ ساعات بسبب جدالهم الأخير .. لكنه تعجبه حالاتها المزاجية المتغيرة ويجدها لا بأس بها ! .
دقيقة واثنين وثلاثة وهي تتقلب فوق الأريكة يمينًا ويسارًا ، لا تجد راحتها في النوم وتحاول إيجاد وضعية مناسبة للنوم فوق تلك الأريكة الصغيرة .. كانت عيناه ثابتة عليها يتابعها بتركيز فابتسم بعدم حيلة منها وهتف ببعض الحدة :
_ اسمعي الكلام وبلاش عناد
التفتت له برأسها وهتفت في غيظ :
_ وهو أنا اشتيكتلك
_ وهي دي كنبة ينفع تنامي عليها أصلًا !
_ أيوة ينفع ، نام بقى وسيبني أنام أنا كمان

ضحك مستنكرًا عنادها وقرر تجاهلها تمامًا أو بمعنى أدق جعلها تظن بأنه تجاهلها ، اغمض عيناه متصنعًا النوم ، بينما هي فاستمرت في حربها المرهقة مع تلك الأريكة ، يمينًا .. يسارًا .. حتى أنها حاولت النوم شبه جالسة ولكن دون فائدة  ، فاصدرت تأففًا عاليًا بعد ما يقارب من خمسة عشر دقيقة في محاولاتها البائسة للنوم .
هبت جالسة بقوة وهي تشتعل من فرط غيظها ، علقت نظرها عليه فتراه نائمًا بهدوء وراحة على عكسها تمامًا لا تستطيع حتى اغلاق عيناها ، بقت لدقيقتين تتطلع إليه بتردد ، أتقبل عرضه أم ترفض وتتقبل الأمر الواقع وتقضي الليلة دون نوم ؟! .. سكون تام للحظات لا يُسمع فيها سوى صوت الرياح فحسمت هي بالأخير قرارها بعدم الخنوع له ، وبقت جالسة مكانها تنوي عدم النوم الليلة .. مرت دقائق ليست قصيرة وهي تقاوم شعورها بالنعاس وعيناها التي بدأت تنغلق وحدها وبين كل لحظة والأخرى ترفع كفها لفمها حتى تغلق عليه أثناء تثاؤبها .

امرأة العُقاب .. للكاتبة ندى محمود توفيقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن