الفصل العشرون

11.4K 434 19
                                    

(( امرأة العُقاب ))
_ الفصل العشرون _

لحظات عابرة من الصمت المشحون بطاقة قوية وشرسة ، تنتظر رده وهو يتطلع إليه بسكون مريب .. عيناها الدامعة ونبرتها التي تحمل في طياتها بعض الضعف لمست قلبه وبعد أن كان سينهي النقاش ربما برد يزيد من إشعال النيران في نفسها ، لانت نظراته ولان قلبه كذلك فخرجت منه شحنات حانية ، جعلته يمد كفه إلى شعرها يملس عليه بلطف ثم نزلت أنامله إلى وجنتها وتحرك ابهامه برقة فوق بشرتها الناعمة متمتمًا :
_ متضايقيش نفسك بكلام ماما .. احنا عارفين إنها بتحب تضايقك بالكلام
ثواني معدودة من الصمت القاتل هيمن عليها ، أهذا هو رده على ما قالته ! .. أن لا تزعج نفسها بكلمات والدته .. هي أساسًا لا تهتم لما تقوله بل ما يزعجها أنها على حق ! .
جلنار بعدم فهم :
_ يعني !!
عدنان بتعجب :
_ يعني إيه ؟! .. متزعليش ياجلنار وخلاص حصل خير
كيف له أن يكون بهذا البرود والثبات الانفعالي ، وإن كان هو يستطيع فهي لا تستطيع حيث ضحكت بقوة ووضعت كفها على صدره تدفعه بعيدًا وهي تصيح :
_ أنت مستفز أوي .. اقوله بتقولي إنك مش بتحبني وإني معنديش كرامة وإنك متجوزني عشان الأطفال وهو يرد يقولي متضايقيش نفسك هي بتحب تضايقك .. يابرودك !

هدر بهدوء تام وبعينان ثاقبة تترقب ردها :
_ إنتي عايزاني اقول إيه ؟!
ضحكت باستنكار ثم مالت برأسها ناحيته وهمست بألم مدفون في أعماقها :
_ متقولش حاجة أنا ردك وصلني خلاص .. واثبتلي إنك مقولتهاش وقت غضب ولا حاجة زي ما بتقول ، فأنا أحب اقولك دلوقتي إني أنا كمان كنت ومازالت وهفضل مش بحبك ومش عايزاك ، هتفضل حاجة اتفرضت عليا ياعدنان ومستنية اليوم اللي اخلص فيه منها بفارغ الصبر عشان ارتاح

احتدمت نظرته ونبرته أصبحت أكثر خشونة وهو يرد عليها :
_ وياترى بعد ما تخلصي مني بقى هتعملي إيه ؟
ابتسمت بمكر وهمست بكلمات مدروسة تعرف أثرها جيدًا ، لكنها لم تكترث وتفوهت بهم في وجهه بكل شجاعة :
_ هتجوز واعيش حياتي .. هتجوز راجل بيحبني بجد ويستاهل أي حاجة اعملها عشانه ، راجل يعوضني عن اربع سنين من القهر والألم والحزن عشتهم مع واحد مستغل مش بيفكر غير في نفسه

سكتت للحظة تمعن النظر في معالم وجهه المخيفة ، فقد نجحت في تحقيق مبتغاها وتحولت نظراته من الهدوء إلى أخرى تضج بالغضب ، وتشنجت عضلات وجهه ، برغم خوفها البسيط من تحوله المرعب إلا أنها قررت إلقاء ورقتها الرابحة التي ستزيد اللعبة حماسًا وستعلن الفائز في حرب تخوضها قطة شرسة أمام أسد جائع لا يرحم .
استكملت حديثها بثقة أشد :
_ راجل افتحله قلبي وأحبه بكل جوارحي مش ....

هاجت عواصفه وقد نجحت في إيقاظ الوحش ، حيث كتم على فمها بكفه ودفعها حتى اصطدمت بمبرد المطبخ وانحنى عليها يهمس بتحذير مرعب وعينان نارية :
_ كلمة تاني وصدقيني إنتي المسئولة عن اللي هيحصلك

أصدرت تأوهًا مكتومًا من اصطدامها بالمبرد وحدقته بعيناها في ثبات مزيف فقد بدأ الأمر يخرج عن سيطرتها ، ابعدت كفه عن فمها وقالت بسخرية :
_ إيه مالك متعصب كدا ليه .. أنت سألتني سؤال وأنا رديت بالحقيقة 
عدنان بصوت غليظ وأنفاسه المشتعلة تلفح صفحة وجهها بعنف :
_ ده في خيالك إنتي ولا يمكن يبقى حقيقة .. وقولتها قبل كدا وهقولها تاني إن مكنتيش ليا مش هتكوني لحد تاني  ، فكرك إني هسمح لجنس مخلوق إنه يلمسك وأنا فيا الروح .. محدش يتجرأ يلمسك غيري

امرأة العُقاب .. للكاتبة ندى محمود توفيقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن