الفصل الثالث والأربعون

987 19 0
                                    

لقد غادرها تاركاً إياها خائفة مترقبة ، انه يشعر بخليط من المشاعر ، لايدري بما يشعر تحديداً ، هل يحزن على الحالة التي أوصلت نفسها إليها ، أم يحزن على مافعلته به ، أم يحزن على صديق بالأمس كان كل مايملكه ، لقد انقلب عالمه رأساً على عقب ، كل ماكان يعلمه لم يكن صحيحاً ، كل الأشياء كانت مغلوطة ، زوجته التي اعتبرها عدوه الأكبر لأنها منعته من الزواج من محبوبته رغم أنها كانت مضطرة مثله ، أصبحت الآن حياته والهواء الذي يتنفسه ، أصبح يعشقها بكل كيانه ، لا يتخيل حياته الآن بدونها ، ولا يدري متى وكيف وقع بحبها ، ومحبوبته التي حارب العالم من أجلها بل وكان على أتم الاستعداد أن يقتل نفسه من أجلها كانت خائنة ، تنتظر الفرصة المناسبة للانقضاض عليه وسلب أمواله حتى لو اضطرت لسلب أنفاسه في سبيل الحصول على المال لن تتوانى عن ذلك ، وصديقه الوفي الذي لطالما دافع عنه وكان جواره لم يكن سوى عدوا متخفي بمظهر صديق ، هل كان السبب به هو ، هل كان على درجة فائقة من الغباء جعلت من حوله يخدعونه هكذا ، أم هم من كانوا سبباً بكل شيء ، هم من يجري الخداع بدمائهم مجرى الدم ، هم من أرادوا سلب حياته وأمواله ، ولكن رغم كل ماحدث هناك شيء واحد فقط يشكرهم عليه وهو أن تاليا بحياته ، انه يشكر أباه بشدة على اصراره على تزويجه منها ، يشكر القدر الذي وضعها بطريقه لتنير عتمته ، لولا وجودها الآن معه لا يدري ماذا كان سيحدث له ، بالتأكيد كان سيفقد عقله .

وجد نفسه أمام منزلها دون أن يدري كيف وصل إلى هنا ، ولكنه كعادته بالآونة الأخيرة كلما شعر بالاختناق وجد نفسه أمام منزلها ، انها الوحيدة التي تستطيع اخراجه من هذا البئر السحيق الذي وقع به ، هي منقذته ونجاته وملجأه .

أخرج هاتفه وقام بالاتصال بها ، لقد كانت الساعة قد تعدت الثالثة صباحاً ، فمنذ أن خرج من عند بسنت وهو يهيم على وجهه لايدري أي وجهة يقصدها حتى وجد نفسه هنا أمامها ، لم يرد أن يزعجها ولكنه لا يريد أن يبقى وحده ، لايريد أن يشعر بتلك المشاعر التي تنهش عظامه وتأكل قلبه ، يريد أن يهدأ ويطمئن وذلك لن يحدث الا عندما يراها ، لذا عندما أجابته بصوت نعس يبدو عليه آثار النوم قال لها بإرهاق : أنا قدام الباب ياتاليا ، ممكن تفتحيلي .

لم تمر سوى ثوان معدودة ووجد الباب يُفتح وهي تقف بقلق وخوف واضح على ملامحها التي بات يعشقها ، يعلم انه أصبح مصدر ازعاج لها ولكنه ليس له غيرها ولايريد من العالم أحدا سواها .

أما هي بمجرد رؤيته علمت ان هناك أمر ما قد حدث ، ملامحه الحزينة هذه لاتبشر بالخير ، وقبل أن تسأله أو تتحدث وجدته يرتمي بأحضانها واضعاً رأسه على كتفها ، صدمت بالبداية ولكنها سرعان ماتمالكت نفسها وضمته إليها وهي تربت على ظهره ، شعرت باهتزاز جسده ودموعه التي تسيل على كتفها العاري ، لم تتحدث فقط تركته حتى يخرج كل مابقلبه ، ولو اضطرت أن تقف عمرها كله هكذا حتى يهدأ هي على استعدا ان تفعلها ، أخذت تربت على ظهره ، أما هو فظل هكذا لوقت لايعلم عدته ،وبعدما هدأ قليلاً وضع رأسه بعنقها ورغما عنه وجد نفسه يشم رائحتها التي جعلته ينسى ماكان يبكيه ، لقد نسي لماذا حضر الى هنا من الأساس ، شعرت هي بأنفاسه الدافئه على عنقها فعلمت انه قد هدأ قليلاً ، ولكنها شعرت بالتوتر يعتريها لذا ابتعدت عنه قليلاً وسألته وهي تنظر بعينيه: مالك ، تحب تتكلم دلوقتي ولا مش عايز ؟!

لقد بلغت مراديحيث تعيش القصص. اكتشف الآن