عند اقتراب السفينة من ميناء أمانيثا، بدأ ضوء القمر الباهت يرقص على سطح المياه، كعيونٍ غافية تترقب عودة ما كان قد غاب طويلاً. المدينة، بأبراجها الشامخة التي كانت تلوح في الأفق، بدت وكأنها كائن حي، يتنفس ببطء تحت سماء مظلمة تمتلئ بالغيوم الثقيلة، متسائلة عن الوجود الذي سيطل عليها بعد غياب طويل.
نزل أورفين أولاً، بخطوات واثقة، ولكن في عينيه كانت تقبع ظلال من قلقٍ عميق، لم يعهده من قبل. خلفه، كانت ليفيانا تمسك بذراع رودين برفق، جسدها المنهك يئن مع كل خطوة، بينما كان الألم يفتك بها، كأن الأرض نفسها تبتلعها شيئًا فشيئًا. زيف، الذي كان يسير بخطوات ثقيلة، كظلٍ حذر، كانت عيناه لا تفارقان المكان، محاولًا اكتشاف أي خطر قد يلوح في الأفق.
ما إن خطوا بضع خطوات داخل الميناء حتى أحاطت بهم مجموعة من الجنود. كانت وجوههم مشوهة، خاوية، وكأنهم جزء لا يتجزأ من المدينة نفسها. تماثيل متحركة، في انتظار أمرٍ لا يبدو أنه سيأتي. تقدم قائدهم، وصوته كان كوقع الحديد على الحجارة، وقوله اخترق الصمت الذي لف المكان:
"من أنتم؟ كيف تجرؤون على دخول دون إذن؟"
رفع أورفين يده محاولًا الحديث، لكن الجنود، بلا تردد، أشهروا أسلحتهم في لمح البصر، وكأنهم كانوا ينتظرون لحظة واحدة فقط. زيف، بتقدير شديد، أنشأ حاجزًا ضوئيًا سريعًا، موجة من الضوء الخافت انبعثت ثم تلاشت في الهواء. اشتبك أورفين مع أحد الجنود، محاولًا تهدئة الموقف بأقل قدر من العنف، بينما صرخ بصوتٍ ملؤه الغضب والحيرة:
"أنا أمير أمانيثا!"
ساد الصمت للحظة واحدة. ملامح قائدهم بقيت على حالها، لكن فجأة انفجرت ضحكة باردة، عميقة، وكأنها جاءت من زمنٍ آخر، من مكانٍ بعيد لا علاقة له بالحياة:
"أمير؟! لا وجود لأية أمراء."
تجمدت الكلمات في حلق أورفين، ورنّت ضحكته كصفعةٍ في وجه الزمان، بينما كانت الصدمة تتسلل إلى أعماق روحه. تقدمت ليفيانا، وعيناها تشتعلان بالغضب، وصاحت بحدة، وكأنها تحاول اختراق هذا الواقع المزعج:
"عمّاذا تتحدث؟! ألم تعرف من نحن؟! أنا ليفيانا، ابنة ملك أمانيثا، وأورفين هو أميركم! هل تودون الموت بفعلكم هذا ؟!"
لم يرد القائد، بل اكتفى بالتحديق بهم، وكأنهم مجرد أشباح من أسطورة قديمة، لا مكان لهم في هذا الزمان. الجنود لم يتحركوا، كأنهم جمدوا في مكانهم، تحت تأثير شيء لا يستطيعون فهمه. وفجأة، انبعث صوتٌ آخر، لم يكن بشريًا، همسات خفية ترددت في الهواء، كأغنيةٍ قديمة منسية:
"لقد عادوا... لكنهم لا يعلمون."
في تلك اللحظة، بدأ المشهد يتغير أمام أعينهم. الميناء، الذي كان ساكنًا، بدأ يختفي كضباب يتلاشى ببطء. الأبراج الشاهقة بدأت تتقلص وتتشوّه، والأضواء الخافتة تحولت إلى نقاط حمراء، تتراقص كعيونٍ شريرة في الظلام. الأرض تحت أقدامهم صارت أكثر صلابة، كأنهم يسيرون فوق رماد متحجّر، صمتٌ ثقيل يعم المكان.
أنت تقرأ
أمانيثا
Fantasíaفي عالم من الخيال، تجد رودين نفسها تواجه واقعها القاسي بعد معرفتها بمرضها وفقدان صديقتها العزيزة. تُخبرها الأسطورة عن "أمانيثا"، المدينة التي يُزعم أنها تحقق الأماني المدفونة. لكن هل هي حقاً مدينة الأماني، أم أن فيها أسراراً أعمق؟ تنطلق رودين في رحل...