بدأت أشعة الفجر تتسلل بخجل بين ظلال الغابة الكثيفة، كاشفة عن عالم بدا وكأنه انفصل عن واقعهم السابق. كان الهواء نديًا يحمل رائحة التراب الرطب وأوراق الشجر المتساقطة. ومع كل زفرة تنفسها أفراد المجموعة، كان الصمت يخيم، لكن قلوبهم كانت تضج بتوتر لم يهدأ بعد.
وقف أورفين منتصبًا، عينيه مثبتتان على زيف كمن يحاول اختراق حجاب غموضه. كانت ملامحه جامدة، لكن نظرته تحكي الكثير: شك، تساؤل، وربما قليلًا من الغضب المكتوم. إلى جانبه، انحنت ليفيانا على ركبة واحدة، تفحص رودين التي كانت تلهث، تحاول جمع شتات نفسها بعد رحلة محفوفة بالمخاطر.
قال أورفين بصوت جاف لكنه حازم:
"حسنًا، خرجنا من النفق. الآن ماذا؟ المدينة خلفنا، والأسوار ليست شيئًا يمكن تجاوزه بسهولة. ما خطوتك التالية، زيف؟"رفع زيف عباءته بكسل، نفض عنها بعض الغبار، ثم رد بابتسامة مائلة تحمل خليطًا من الثقة والتهكم:
"آه، أورفين... دائمًا تتصرف وكأنك الوحيد الذي يعرف كيف يهرب. ثق بي، لدي خطة. وكل ما عليك فعله هو أن تتبعني دون أسئلة."قاطعت ليفيانا، وقد عادت الوقفة لظهرها والنار في عينيها:
"وأين كانت خطتك العبقرية عندما كادت الظلال تلتهمنا في النفق؟"أجاب زيف دون أن يفقد ابتسامته الساخرة:
"كان ذلك... اختبارًا صغيرًا. أردت رؤية قدرتكم على التأقلم تحت الضغط. ممتع، أليس كذلك؟"رفعت ليفيانا يدها وكأنها على وشك أن تصفعه، لكن صوت أورفين الحازم قطع التوتر:
"كفى. إذا كان لديك طريق، فلنستخدمه الآن. وإن لم يكن، سنتخذ طريقنا الخاص."زيف، وكأنه لم يشعر بأي تهديد، أشار بإصبعه نحو بقعة من الغابة حيث تتشابك الأغصان الكثيفة فوق كومة من الصخور.
"هناك معبر قديم مخفي في تلك الناحية. لكنه ليس طريقًا مرحبًا بالجميع."اقتربت رودين من زيف، نبرة الريبة واضحة في صوتها:
"كيف تعرف هذا المعبر؟"رد زيف، وعيناه تضيقان قليلًا كأنه يزن كلماتها:
"لدي طرق. ودعيني أقول فقط إن المدينة وما حولها مثل كتاب مفتوح بالنسبة لي."أومأ أورفين، وقرر تأجيل تحقيقه معه. الوقت الآن لا يسمح بالخلافات.
"حسنًا، فلنذهب. لكن تأكد أن طريقك هذا ليس فخًا آخر."---
بدأت المجموعة التحرك بحذر عبر الغابة، أقدامهم تخطو فوق الأرض المليئة بالأغصان اليابسة، فتحدث أصواتًا خافتة تكسر الصمت الثقيل. الهواء كان مشبعًا برائحة النباتات، لكنهم لم يشعروا بأي هدوء. الخطر لا يزال يلوح في الأفق، والجميع يعلم أن الوقت ليس في صالحهم.
بعد ساعة من السير، أشار زيف نحو كومة من الصخور الكبيرة. بدا المشهد عاديًا لأول وهلة، لكن أورفين شعر بشيء غير طبيعي.
"هذه مجرد صخور. أين المعبر؟"اقترب زيف بخطوات واثقة، وأزاح بعض الشجيرات بخفة، كاشفًا عن باب خشبي صغير مموه بعناية.
"تفضلوا، معبرنا السحري. لكن دعوني أحذركم: ما ينتظرنا ليس أسهل مما تركناه."دفع الباب الخشبي ليصدر صوت أزيز منخفض، كاشفًا عن ممر ضيق بالكاد يسمح لشخص واحد بالمرور. تقدم الجميع بحذر، ضوء النهار يتلاشى خلفهم تدريجيًا ليتركهم في شبه ظلام.
على طول الجدران، لاحظ أورفين رموزًا محفورة بدقة، أشكال هندسية تتخللها كتابات بلغة قديمة. همس بنبرة تساؤل:
"ما هذه الرموز؟"رد زيف بنبرة غير مكترثة:
"بقايا زمنٍ مضى. كان هذا النفق جزءًا من شبكة ثورية قديمة. الرموز هنا كانت تستخدم كتعويذات حماية... أو تحذير.""تحذير من ماذا؟" سألت رودين، لكن زيف لم يرد.
بعد مسافة طويلة، ظهر الضوء في نهاية الممر. حين خرجوا، وجدوا أنفسهم في حقل واسع يغمره ضوء الصباح. الزهور البرية تمددت كبحر ملون، والمدينة بأبراجها وأسوارها العالية بدت كطيف بعيد في الأفق.
وقف أورفين يتفحص المكان، ثم قال وهو ينظر نحو زيف:
"نحن خارج المدينة، لكن لا شيء آمن بعد. الجنود سيكتشفون كل شيء قريبًا. علينا أن نقرر وجهتنا الآن."أشارت رودين نحو الشمال، وقالت بثقة:
"هناك غابة كثيفة على بعد أميال. لقد وقعت هناك هناك سابقا يمكننا الاختباء هناك مؤقتًا."لكن زيف، الذي كان ينظر إلى المدينة بشيء من الحنين أو ربما الحذر، ابتسم تلك الابتسامة التي يكرهها أورفين.
"هذا جيد. لكن دعوني أذكركم بشيء: هذه ليست النهاية. ما عشناه اليوم مجرد تمهيد لما سيأتي."التفت إليه أورفين بحذر، وقال بنبرة تحمل التهديد:
"زيف، إذا كنت تعرف شيئًا ، فهذا وقت سيئ جدًا للغموض."ابتسم زيف بسخرية وبدأ بالمشي عبر الحقل دون أن ينظر للخلف:
"لا تقلق، يا أورفين. عندما يحين الوقت، ستعرف كل شيء. فقط تذكر، لكل منا ثمن عليه أن يدفعه... وأحيانًا يكون الثمن أغلى مما تتوقع."
أنت تقرأ
أمانيثا
Fantasiفي عالم من الخيال، تجد رودين نفسها تواجه واقعها القاسي بعد معرفتها بمرضها وفقدان صديقتها العزيزة. تُخبرها الأسطورة عن "أمانيثا"، المدينة التي يُزعم أنها تحقق الأماني المدفونة. لكن هل هي حقاً مدينة الأماني، أم أن فيها أسراراً أعمق؟ تنطلق رودين في رحل...