أوصلت غايا رودين إلى جناح فخم بديع، يمتد كأنه عالم منفصل في قلب القصر، تغمره الفخامة والهدوء. كانت الجدران مُزينة بنقوش ذهبية رقيقة، وأعمدة بيضاء تلتف حولها زخارف تُشبه حكايات الأساطير القديمة. الستائر الحريرية تتدلى بنعومة، تعكس ضوء الشمس الخافت الذي يتسلل عبر النوافذ الواسعة، وتبرز الأثاث المزين بالخشب المنحوت والمرصع بالأحجار الكريمة.
نظرت غايا إلى رودين بحنان قائلة: "رودين صحيح؟، تعالي هنا، يا عزيزتي." فتحت باباً خشبياً ضخماً ليكشف عن غرفة أشبه بلوحة ملكية؛ كانت مُضيئة بلون أبيض ناصع، مما أضفى عليها إحساساً بالصفاء والرقي. تأملت رودين تلك الغرفة الساحرة، فاتحة فمها من الدهشة، ووقفت عاجزة عن وصف روعة المكان.
ابتسمت غايا قائلة: "هذه غرفتك. يمكنك البقاء هنا. أعتذر، لو كنت أعلم بقدومك لجهزت لك غرفة أكثر فخامة. لا تقلقي، سأخبر الخدم بتجهيز غرفة أخرى."
شعرت رودين بالذهول مما سمعته، فهذه الغرفة في نظرها أجمل من أي شيء قد تخيلته، وفكرت: (عن ماذا تتخدث هذه، تُرى ماذا ستقول لو عرفت أنني لم أمتلك غرفة خاصة من قبل، وأن غرفتي الوحيدة كانت مجرد مخزن للخردة؟) ابتسمت رودين وقالت بلطف: "شكراً لكِ، لا حاجة لذلك. هذه الغرفة مذهلة، لم أرَ شيئاً بجمالها من قبل."
أصرت غايا بلطف قائلة: "عزيزتي، أنتِ ضيفة مميزة، ويجب أن نحسن ضيافتك بما يليق بك."
ابتسمت رودين ممتنة، وقالت: "حقاً، لا داعي لذلك."
ردت غايا بحزم لطيف: "لن أقبل برفضك. سيتم تحضير الحمام لك الآن، استريحي ولا تشغلي بالك بشيء." نظرت إليها بحنان قائلة: "استريحي قليلاً حتى يجهز الحمام، وسأرسل خادمتين لمساعدتك." ثم غادرت الغرفة.
وقفت رودين تتأمل فخامة المكان بدهشة، وفي داخلها شعور مختلط من السعادة والارتباك. فكرت: (منذ دخولي تلك البوابة والأشياء الرائعة تحدث لي، كأنني أعيش في حلم جميل... ربما دخلت في غيبوبة، لكن لا بأس، واقع أو حلم لا يهم).
قطع حبل أفكارها دخول خادمتين شابتين بوجوه ودودة وانحناءة احترام. قالت إحداهما: "مرحباً آنستي، أنا لورينا."
وأضافت الأخرى: "وأنا جوليا. أرسلتنا السيدة غايا لخدمتك، ومن اليوم سنكون هنا لأي شيء تحتاجينه."
ابتسمت رودين بحرارة قائلة: "مرحباً، أنا رودين. تشرفت بلقائكما."
ردت جوليا بابتسامة عذبة: "الشرف لنا في خدمتك، آنستي. من فضلك، اتبعينا، الحمام جاهز."
"شكراً لكما."
قادتها الفتاتان إلى غرفة أخرى متصلة بغرفتها، وعندما فتحن الباب، كشفت رودين عن حمام ملكي مذهل، يفيض بالفخامة والرقي. كانت أرضية الحمام من الرخام اللامع، وتتناثر فوقها فسيفساء دقيقة بألوان مدهشة، في منتصف الغرفة حوض استحمام رخامي واسع يعلوه الماء الساخن، وتطفو على سطحه بتلات ورد حمراء، تعبق بأريج ساحر يملأ المكان.
على طاولة بجانب الحوض، وُضعت أنواع فاخرة من الزيوت العطرية والصابون الطبيعي، كما تراصت مناشف ناعمة، وملابس أنيقة ذات طابع ملكي مُعدة لارتدائها بعد الاستحمام، إضافةً إلى طبق فضي مملوء بفواكه طازجة بألوان زاهية.
نطقت جوليا بلطف: "آنستي، هل ترغبين بمساعدتنا؟"
احمرّ وجه رودين خجلاً وأجابت: "لا، شكراً. سأكمل من هنا وحدي، أشكركما كثيراً."
ناولتها لورينا جرساً ذهبياً صغيراً قائلة: "إن احتجتِ إلى أي شيء، فقط اقرعي هذا الجرس." ثم ابتسمت
قبل أن تخرج الفتاتين سألت رودين "أورفين..؟" ابتسمت لورينا بود: "سموه في اجتماع مع الملك، ولا نعلم متى سيعود."ابتسمت رودين بهدوء وقالت: "لا بأس. شكراً مجدداً."
عندما غادرت الفتاتان، خلعت رودين ثيابها و وضعتها على جنب وغمرت جسدها المرهق في الماء الساخن، شعرت كأن كل عناء السنين قد تلاشى في لحظة واحدة. أغمضت عينيها مستمتعةً بذلك الشعور، كأنها وُجدت أخيراً في عالم من الراحة والسكينة، وأخذت تستنشق عبير الورود، غارقةً في لحظة تتمنى ألا تنتهي.

أنت تقرأ
أمانيثا
Viễn tưởngفي عالم من الخيال، تجد رودين نفسها تواجه واقعها القاسي بعد معرفتها بمرضها وفقدان صديقتها العزيزة. تُخبرها الأسطورة عن "أمانيثا"، المدينة التي يُزعم أنها تحقق الأماني المدفونة. لكن هل هي حقاً مدينة الأماني، أم أن فيها أسراراً أعمق؟ تنطلق رودين في رحل...