ركضت رودين داخل غابة القصر، تتبع أثر الكلمات التي همس بها أورفين عن الممر السري الموجود . كان الليل ساكناً، لكنه يضج بالأسئلة. الأشجار تحاصرها كأنها جدران لا تريد لها المضي، وصوت صرصار الليل كان كمن يغني لحنًا للقدر. الغابة بدت كأنها تحبس أنفاسها، خالية من أي حارس. تساءلت في سرها، "هل أمر الملك بهذا؟"تعمقت أكثر في الظلام، وكل خطوة تأخذها كانت تُثقلها مشاعرها المتضاربة. بدت الأشجار كأنها تتراقص حولها، كمتاهة بلا مخرج. ولكن، بعد رحلة طويلة في أعماق الليل، ظهرت أمامها جدران القصر المهيبة، شامخة وكأنها تتحدى الزمن. كان نور النجوم والقمر رفيقيها في هذا الطريق الغامض. عندها، شعرت بذكرى غريبة تسحبها إلى أول ليلة دخلت فيها هذا العالم. الجو ذاته، الصمت ذاته، ولكن هذه المرة... قلبها أثقل.
بينما كانت تتقدم ببطء، تبحث عن مدخل الممر السري، شعرت فجأة بيد ثقيلة تمسك بكتفها. التفتت بذعر، وقلبها ينبض كأنما سيفتح أبواب معركة وشيكة. رفعت عينيها، لتقابل نظراته الذهبية.
"أورفين!"
كان يقف هناك، بوجهه صارم ، لكن خلف تلك الصرامة شعرت بتردد خفي. للحظة غمرها شعور مألوف كأنها تعيش اللحظة من جديد، لكنها كانت مختلفًة هذه المرة.
"رودين، ماذا تفعلين هنا؟" سأل بصوت منخفض، لكنه لم يخفِ قلقه.
ابتسمت بخفة، وكأن رؤيته أزالت ثقل السماء عنها:
"الحمد لله أنك لم تغادر بعد، أورفين."رفع حاجبه، وقد تسللت الحدة إلى نبرته:
"لا وقت للمزاح. لماذا جئتِ؟"خطت خطوة أقرب إليه، وعيناها تتوهجان بتصميم لا يلين:
"سأذهب معك. أعلم أنك تنوي إنقاذ الأميرة، ولن أتركك تواجه هذا وحدك."ارتسمت على وجهه نظرة مذهولة قبل أن يقول بحدة:
"هل فقدتِ عقلك؟ هذه ليست مغامرة. إنها خطر حقيقي، والمخاطر هنا ليست مزاحًا!"رفعت رأسها، وتحدثت بثقة:
"أعلم تمامًا مدى خطورة الأمر. لكنك بحاجة إلي، أورفين. لن أسمح لك بأن تخاطر بكل شيء وحدك. لقد جئتُ بإرادتي، ولن أتراجع."كان صمته ثقيلاً، وكأن الكلمات تخونه أمام إصرارها. لم يكن بحاجة للاعتراف بذلك، لكنه أدرك في أعماقه أنها لن تتراجع.
تنهدت رودين بعمق، وقالت بصوت مفعم بالصدق:
"لقد فقدتُ من قبل صديقة غالية، وقتها لم أستطع فعل شيء لإنقاذها ، أورفين... ليفيانا ورغم الوقت القصير معا كانت كالأخت لي، وأنا لن أسمح بأن أفشل مجددًا. هذه المرة، سأحارب. من أجلها... ومن أجلك، لا أملك ما أخسره بالفعل ."شعر بضعف جدرانه الداخلية يتصدع أمام كلماتها. وأخيرًا، قال بصوت متعب:
"حسنًا. لكن عليك أن تطيعي أوامري. إذا شعرتُ أن الخطر أكبر مما يمكنك احتماله، ستعودين فورًا. مفهوم؟"ابتسمت رودين بنصر خافت، وأومأت برأسها:
"مفهوم."مد يده وأمسك بها، وقادها نحو الممر السري. لكن حين خرج الاثنان إلى الجانب الآخر، كان بانتظارهما مشهد غير متوقع. أنوار أمانيثا الزاهية كانت تضيء المكان، وعلى مدخل الممر، وقف الطبيب جالينوس، ينتظر بهدوء مريب.
قال أورفين بصدمة:
"جالينوس؟ ما الذي تفعله هنا؟"تنهد الطبيب، وقال بنبرة ساخرة:
"حقًا... نتيجة اجتماع أحمق بحمقاء. هو كارثة تلوح في الأفق."عقد أورفين حاجبيه وقال بحدة:
"ما الذي تقصده؟"ابتسم جالينوس، وقال وهو يتقدم بخطوات واثقة:
"لست هنا لمنعكما. أعلم يا أمير أنك كنت ستذهب مهما كلفك الأمر. لكنني توقعت أن تتبعك هذه الفتاة العنيدة، وها أنا أثبت صحة شكوكي."ثم رمى حقيبة صغيرة نحو رودين. حملتها باستغراب وسألته:
"ما هذا؟"أجاب ببرود:
" بعض الأدوية وملابس. ماذا؟ كنتِ تعتقدين أنني سأدعكِ تغادرين دون تجهيزات؟"ثم اقترب منها ومد يده بسوار مزين بجوهرة حمراء متلألئة:
"هذا سوار سحري. سيوقف أعراض مرضك مؤقتًا. ليس علاجًا دائمًا، لكنه سيمنحك بعض الوقت. لا تضيعيه، لقد بذلت جهدي في صنعه."أخذت السوار بامتنان، وقالت بصوت خافت:
"شكرًا، جالينوس."ابتسم الطبيب، ثم وضع يده على كتف أورفين:
"رفقتكما السلامة. لا أريد أن تندلع أية حرب بسببيكما."ضحك أورفين بخفة، وقال بسخرية:
" سأخطف عروس الملك... أنا أحمق لا أعدك بشيء."ابتسم جالينوس بهدوء وقال:
"في هذه الحالة... حظًا سعيدًا."
![](https://img.wattpad.com/cover/381203597-288-k84802.jpg)
أنت تقرأ
أمانيثا
Fantasyفي عالم من الخيال، تجد رودين نفسها تواجه واقعها القاسي بعد معرفتها بمرضها وفقدان صديقتها العزيزة. تُخبرها الأسطورة عن "أمانيثا"، المدينة التي يُزعم أنها تحقق الأماني المدفونة. لكن هل هي حقاً مدينة الأماني، أم أن فيها أسراراً أعمق؟ تنطلق رودين في رحل...