لقاء غريب

23 5 0
                                    

سطع نور مبهر في عيني رودين، لم تستطع تحمله، فأغلقت عينيها بقوة، تحاول الهروب من سطوعه الغريب. وعندما فتحت عينيها أخيرًا، وجدت نفسها في مكان لم تره من قبل. كانت مدينة تلوح في الأفق، أشبه بمدن روما القديمة، لكنها، رغم ظلمة الليل، تتلألأ بوهج عجيب كنجمة متوهجة في سماء حالكة. التفتت حولها لتدرك أنها تقف على تل عالٍ، تحيط بها أشجار عملاقة تتشابك أغصانها كأنها حراس قديمة للمدينة. اجتاحها الخوف، وضمّت ذراعيها حول نفسها لتقاوم البرد الذي تسلل إلى عظامها. "ذلك الدجال... لقد خدعني! ما كان عليّ أبدًا أن أتبعه إلى هذا المكان."

أخذت تخطو بحذر، كل خطوة متثاقلة، بينما تتساءل بينها وبين نفسها: "يا لي من حمقاء، كيف سمحت لنفسي بالوقوع في هذا المأزق؟ لو كنت أعلم، لارتديت شيئًا أفضل مما أرتدي." وبينما تهمس بهذه الأفكار، لفت انتباهها همسات رجال يتحدثون بلغة غريبة. توترت، وحاولت أن تتوارى خلف جذع شجرة ضخمة. على نحوٍ غريب، فهمت ما يقولون، رغم غرابة الكلمات على مسامعها. تذكرت القلادة المعلقة على عنقها، وتأملتها بإمعان، كأنها اكتشفت سرًا.

بفضول طفولي، خلعت القلادة وحاولت الاستماع مجددًا، لتكتشف أنها فقدت القدرة على فهم اللغة. أطلقت ضحكة صغيرة وهي تعيد القلادة حول عنقها، همست بابتسامة رضا: "يبدو أن هذا الرجل لم يكن دجالاً تمامًا، شكرًا على هذه المساعدة البسيطة."

لكن صوت خطوات تقترب منها أعاد إليها شعور الخطر. حاولت التراجع بخفة، لكن الحركة أفقدتها توازنها وكادت تصطدم بجذع شجرة.

---

في مكانٍ قريب، كان الرجال يبحثون عن شيء بجدية. "هل وجدته؟" سأل أحدهم زميله، الذي بدا عليه الإعياء.

"لا، لا شيء سوى أرنب صغير. ذلك الأمير أصبح لا يطاق، دائم الهروب ونحن نقوم بدور الحراس عليه."

تبادل الآخران نظرات حذرة وقال أحدهما بهمس: "اسكت، إذا سمعك أحدهم، ستُعلَّق رأسك على المقصلة."

تنهد الآخر وقال: "دعنا نكمل البحث."

---

استغلت رودين الفرصة وهربت بخفة، تتوغل في أعماق الغابة الكثيفة، بينما يضيء القمر طريقها المتعرج. كانت الأنفاس تخونها، فتوقفت لبرهة تتنفس بعمق، وتحاول تهدئة نفسها. "يا لغبائي! لماذا لم أحمل هاتفي؟ هذا المكان مخيف!" وبينما تلتقط أنفاسها، امتدت يد قوية أمسكت بكتفها من الخلف.

التفتت ببطء، والرعب يملأ ملامحها، وحاولت أن تصرخ، لكن الرجل الذي أمسك بها وضع يده على فمها بحذر وهمس، "اششش! سيعلمون بوجودنا إن سمعوكِ. سأزيل يدي الآن، لذا لا تصرخي. أقسم بشرفي لن أؤذيك. هل تفهمينني؟"

أومأت برأسها رغم اضطراب قلبها، لكنها شعرت بنوع من الطمأنينة الغريبة. كان الظلام يحيط بهما، غير أن عينيه اللامعتين باللون الذهبي كانتا تلمعان كأنهما تعكسان نورًا داخليًا. تملكتها الدهشة لجمالهما، ثم استجمعت نفسها وسألته بصوت مبحوح، "من أنت؟"

ابتسم بلطف وقال: "أنا أورفين. وأنتِ؟"

وكأنها مسحورة بجاذبيته، أجابت بنبرة خافتة، "رودين." فابتسم مرة أخرى وقال، "رودين، اسم جميل، يليق بصاحبته." احمر وجهها خجلًا؛ فهذه أول مرة يقال لها شيء كهذا، غير صديقتها ليلى التي دائمًا ما كانت تعزز ثقتها بنفسها، في محاولة لإزالة آثار كلمات عائلتها التي غالبًا ما كانت تحطمها بوصفها "أقل جمالًا" من إخوتها رودين البطة القبيحة .

ابتعدت خطوة إلى الخلف، وضمت ذراعيها حول جسدها كمن يحاول حماية نفسه، لكنه همس مطمئنًا: "أعدتك أنني لن أؤذيكِ."

أمال رأسه قليلاً وهو يتأمل ملامحها، ثم سأل بابتسامة عابثة: "لكن، ما الذي يجلب فتاة جميلة مثلك إلى هذا المكان؟"

رفعت حاجبها بارتباك لترد: "أنا… ضعت. كنت أبحث عن مدينة أمانيثا، وانتهى بي المطاف هنا."

ضحك بهدوء وقال: "حسنًا، لحسن حظك، أمامك شخص منها."

تملكتها الحماسة وسألته بلهفة: "هل يمكنكِ أن تأخذني إلى هناك؟"

رمقها بنظرة مبهمة ثم قال: "ربما، لكن ليس الآن. أولئك الرجال الذين كانوا يلاحقونك يبحثون عني."

ارتعش قلبها قلقًا وقالت: "لماذا يبحثون عنك؟ هل أنت... مجرم؟"

هز رأسه بنفي ضاحكًا: "مجرم؟ لا، فقط… متمرد قليلًا. هربت من والدي، فأرسل رجاله للبحث عني. لكنني أؤكد لكِ، لم أفعل شيئًا سيئًا."

ردت بسخرية، محاولًة إخفاء توترها: "هذا ما يقوله كل مجرم، أليس كذلك؟"

رفع خنجرًا صغيرًا وقدمه لها، وقال بجدية: "إذا شعرتِ بأي تهديد مني، يمكنكِ استعمال هذا ضدي."

أخذت رودين الخنجر بتردد ونظرت إليه بعينين قلقتين، فقال بلهجة ودودة: "أنت غريبة عن هنا. من شيم أهل أمانيثيا أن يساعدوا كل غريب. لا تقلقي."

شعرت بشيء من الراحة، وابتسمت دون وعي، فتسارعت نبضاتها عندما رد بابتسامة مماثلة وقال: "ابتسامتكِ جميلة أيضًا."

ارتبكت وقالت بحذر: "تقول هذا رغم أننا التقينا للتو؟"

رد بابتسامة عابثة: "أقول ما أراه. لنذهب قبل أن يجدونا."

وتبعت رودين أورفين عبر ظلال الأشجار، متسائلة عما ينتظرها في رحلتها، لكن بداخلها كان شعور جديد يتصاعد، مزيج من الفضول والأمل يضيء عتمة خوفها. شعرت أن هذا اللقاء يحمل معها بداية جديدة، وقد يكون أورفين مفتاحًا لما تبحث عنه طوال حياتها.

أمانيثا حيث تعيش القصص. اكتشف الآن