بينما كانت خطوات المجموعة تتسارع نحو المجهول، كان أورفين يحاول جاهدًا الحفاظ على هدوئه ورباطة جأشه، رغم أن كل نظرة يلقيها نحو زيف كانت تعمّق شعوره بعدم الارتياح. لم تكن تصرفات زيف وحدها ما يثير الريبة، بل كلماته أيضًا، تلك التي تحمل دائمًا معاني مبطنة بالسخرية والغموض. ومع ذلك، قرر أورفين كبح تساؤلاته، إذ لم يكن الوقت مناسبًا للتشكيك أو المواجهة.
اقتربت رودين منه وهمست بصوت بالكاد يُسمع:
"أورفين، من أين أتيت بهذا الرجل؟ إنه يثير الريبة."أجابها بتنهيدة ثقيلة، وكأنه يحاول شرح أمر لا يملك له تفسيرًا:
"لا أعلم. ظهر فجأة وسط الظلام وقال إنه يحب أن يرى الأمور تخرج عن السيطرة ."توقفت رودين لحظة، ثم نظرت إليه بحدة:
"كيف يمكنك الوثوق بشخص كهذا ربما يقودنا لفخ؟"أجابها أورفين بنبرة هادئة تخفي قلقه:
"لا أثق به، لكن... يبدو أنه يعرف أمورًا نجهلها."تحولت نظرات رودين إلى زيف، الذي كان يتقدمهم بخطوات واثقة، متظاهرًا بعدم الاكتراث بمحادثتهم. تحت ثوبها، تحسست الميدالية المخبأة حول عنقها، وكأنها تبحث عن قوة خفية تعينها على ما هو قادم. لم تستطع أن تتجاهل الحقيقة المقلقة: ما بدأ كبحث بسيط عن مدينة الأماني، تحول إلى مغامرة محفوفة بالمخاطر والأسرار.
حين وصلوا إلى أطراف الغابة التي كانت رودين قد تحدثت عنها سابقًا، توقف زيف فجأة. حدّق في الأشجار الداكنة بعينين متفحصتين، كأن المكان يحمل له ذكرى أو شعورًا غير مألوف.
التفت إلى رودين وسألها بنبرة مفعمة بالسخرية:
"إذن... هذه هي الغابة التي زعمتِ أنكِ وقعتِ فيها؟"ترددت رودين للحظات، ثم ردت بتوتر ظاهر:
"نعم، هي. ما المشكلة؟"أشار زيف إلى الأشجار بيده وقال ببطء وكأنه يتذوق كلماته:
"لا شيء... فقط هذه الغابة ليست مكانًا عاديًا. الجنيات التي تحرسها لا تسمح للبشر بدخولها أبدًا. ومع ذلك، تقولين إنكِ دخلتِ هنا وخرجتِ بسلام؟"شعرت رودين بارتباك شديد، بينما ازدادت نظرات زيف حدّة وكأنها تخترق أعماقها. ثم أردف بنبرة أشبه بالاتهام:
"من أنتِ حقًا؟ أنتِ لستِ من عالمنا... أليس كذلك؟"التزمت رودين الصمت، وكأن كلمات زيف أصابتها في صميمها. بدأت ذكريات الماضي تعود إليها، تلك التي لطالما حاولت دفنها.
التفتت ليفيانا نحو رودين وقد بدت الصدمة جلية على وجهها:
"أختي، ماذا يعني هذا؟ ماذا يقصد بأنكِ لستِ من هنا؟"حاولت رودين التحدث، لكن الكلمات خذلتها. كان السر الذي أخفته طويلاً يتكشف الآن، وسط دهشة الجميع.
قال أورفين بغضب، محاولًا كسر حدة التوتر:
"زيف، توقف عن هذا ! إذا كنت تعرف شيئًا، فقله الآن."ابتسم زيف بسخرية، ورفع كتفيه في لامبالاة متعمدة، ثم قال بنبرة ساخرة: "آه، يبدو أنك تعلم بشأن تلك الغريبة. حسنًا، لا يهمني الأمر. هذه الغابة محروسة من قِبل الجنيات، البشر غير مرحب بهم هنا. الجنيات لا تطيق وجودنا، ولا تتردد في إبعاد أي دخيل يتجرأ على الاقتراب."
شعر أورفين بتوتر رودين. أمسك بيدها بلطف وقال بصوت يحمل طمأنينة:
"لا تخافي."ابتلعت رودين ريقها وحاولت استعادة تماسكها، بينما وجه أورفين حديثه إلى زيف بنبرة حازمة:
"هل تعرف طريقًا آمن يمكننا من خلاله مغادرة حدود مملكة ليبرتا دون أن يُقبض علينا؟"أشار زيف إلى الغابة بابتسامة غامضة:
"إذا ساعدتنا الغريبة هنا في عبور الغابة والخروج منها بسلام، سنجد أنفسنا عند حدود كاليبرا. ومن هناك، يمكنكم الوصول إلى أمانيثا بسهولة."نظرت ليفيانا إلى أخيها وقالت بقلق:
"أخي، هل سنعود إلى أمانيثا؟ ماذا عن أبي؟ هو من أرسلني إلى هنا، وأنت ورودين... ماذا سيحدث لكما؟"قطعت رودين صمتها وقالت بهدوء، لكنها كانت تحمل في صوتها نبرة اعتراف:
"الملك يعلم أننا هنا. هو من حثني للقدوم و مساعدتك."
التفت أورفين نحوها بذهول، عاقدًا حاجبيه:
"ماذا؟!"نطقت رودين بهدوء، كأنها تبحث عن مبرر لكلماتها:
"لقد كان يعلم كل شيء. طلب مني أن أتبعك... قال إنك متهور."تنهد أورفين، وأطلق ضحكة ممزوجة بالمرارة:
"آه، أبي... لا أدري ما الذي يدور في عقله حقًا. لطالما كان بارعًا في إقناع الجميع بخططه الجنونية."قاطعه زيف، وابتسامة ساخرة ترتسم على وجهه:
"الملوك لديهم جنونهم الخاص هذا ممتع، ولهذا السبب ستندلع حرب عبثية."شدّ أورفين قبضته، وقال بحزم يشي بالغضب:
"ملك ليبرتا جلب هذا الجنون على نفسه. كيف له أن يطلب يد فتاة في عمر ابنته؟! وأبي... أبي الذي يصمت على حماقاته، وكأن هناك سرًا مظلمًا يربط بينهما."ضحك زيف بصوت عالٍ، ثم أردف بنبرة متهكمة، كمن يكشف حقيقة صادمة:
"تزويجها؟ لا يا صديقي... أختك لم تكن سوى قربان يُقدّم على مذبح الطمع."تجمد الجميع في أماكنهم، بينما غرقت أعينهم في دهشة لا توصف. قربان؟ لماذا؟ ولمن؟
أنت تقرأ
أمانيثا
Fantasyفي عالم من الخيال، تجد رودين نفسها تواجه واقعها القاسي بعد معرفتها بمرضها وفقدان صديقتها العزيزة. تُخبرها الأسطورة عن "أمانيثا"، المدينة التي يُزعم أنها تحقق الأماني المدفونة. لكن هل هي حقاً مدينة الأماني، أم أن فيها أسراراً أعمق؟ تنطلق رودين في رحل...