سحر أمانيثا و عبء الأسرار

24 4 0
                                    

تجولت رودين برفقة أورفين في أزقة أمانيثا الساحرة، بينما كان يحرص على تغطية رأسه بغطاء يخفي ملامحه كي لا يتعرف عليه أحد. كانت المدينة حولهما تنبض بالحياة، تحيطهما شوارعها الضيقة المرصوفة بالأحجار، تعكس جمالًا آسرًا لا حدود له. بدت كل زاوية وكأنها جزء من لوحة حية تنبض بالجمال والعجائب؛ بائعون متجولون، مخلوقات مختلفة تمارس أعمالها، وأجواء مليئة بالسحر والجمال.

وفي وسط هذا التنوع، شاهدت رودين عوالم لم تعهدها من قبل؛ الأقزام الصغار يعملون بجد في الحدادة، يطرقون الحديد بدقة متناهية، والإيلف الرشيقون الذين بدوا وكأنهم ينسابون بين الأشجار وعلى أسطح المباني الحجرية. كان المشهد متكاملًا، كأنه جزء من أسطورة قديمة.

استمر أورفين بتقديم أطباق غير مألوفة لرودين من الباعة المتجولين، وكل طبق كان ينقلها إلى عالم جديد من النكهات؛ حلوى زرقاء متلألئة، وثمار ذات ألوان وأشكال غير معتادة، وكل قضمة منها تفتح نافذة جديدة على هذا العالم الغريب.

عندما وصلا إلى ساحة واسعة تتوسطها نافورة ضخمة، تعلوها تماثيل منحوتة بدقة مذهلة، تراقصت قطرات الماء البلوري المنسابة من النافورة تحت أشعة الشمس، لتخلق قوس قزح خافتًا، ما جعل رودين تلتقط أنفاسها انبهارًا. لم ترَ من قبل شيئًا بهذا الجمال، حتى النافورة التي قادتها لهذا العالم لم تقترب في روعتها من هذه النافورة الفريدة.

جلسا على أحد المقاعد الحجرية المطلة على النافورة، وأخذت رودين تستنشق الهواء النقي المختلط برائحة الزهور والتوابل المنبعثة من الأكشاك القريبة، بينما الأطفال يركضون حول النافورة، والمارة يتبادلون الحديث بأزيائهم التقليدية وأصواتهم المتنوعة، في تناغم ساحر.

قطع أورفين الصمت بابتسامة خفيفة وسألها: "إذن، ما رأيك؟"

رفعت رودين عينيها، مفعمة بالدهشة: "رائع... لم أرَ مكانًا بهذا الجمال من قبل. أمانيثا حقًا ساحرة."

ابتسم أورفين برضا وقال: "أخبرتك أنك ستحبينها."

بعد لحظات من الصمت، سألت رودين بفضول: "لقد لاحظت أن الجميع هنا يستخدم السحر في أعمالهم اليومية. أليس هذا مرهقًا ويتطلب طاقة عالية؟"

أجابها أورفين: "لكل فرد هنا قدر معين من الطاقة السحرية يولد بها. العائلة المالكة هي الأكثر حظًا بنصيب كبير منها، لكن هناك استثناءات من العباقرة الذين تمكنوا من تطوير قدراتهم السحرية الخاصة. أما الأعمال اليومية التي رأيتِ الناس يقومون بها، مثل نقل الأشياء أو إشعال النار، فهي لا تستنزف الكثير من الطاقة بالنسبة للناس العاديين."

شعرت رودين بمزيد من الانبهار، ولكن سؤاله المفاجئ قطع حبل أفكارها: "رودين، لم أجرؤ على سؤالك من قبل، لكن من أين أتيتِ؟"

تلعثمت رودين ولم تستطع الرد. لاحظ ارتباكها فقال بلطف: "تعلمين... كان من حسن حظك أنكِ التقيتِ بي، لأنكِ لو أُمسكتِ وأنت تحملين هذه الميدالية، لكان مصيركِ الإعدام بتهمة الشعوذة أو التجسس."

تجمدت رودين في مكانها، وارتسمت الصدمة على وجهها. كيف عرف أورفين عن الميدالية التي كانت تخفيها تحت ملابسها طيلة الأيام الثلاثة الماضية؟ تلعثمت بالكلمات: "الم... ميدالية؟ عن ماذا تتحدث؟ كيف عرفت؟"

أجابها بهدوء: "من منحكِ إياها؟ هذه الميدالية تحتوي على دوائر سحرية محظورة."

ازدادت ارتباكًا وقالت: "أخبرتك أن أحدهم دلني على أمانيثا لتحقيق رغبتي، وهو من منحني هذه الميدالية."

"وهل تعرفينه جيدًا؟"

"التقيتُ به مرتين فقط، لا أعرف حتى اسمه."

اقترب منها أورفين بلطف، وهمس قائلاً: "اقتربي قليلاً."

"لِمَ؟"

جذبها نحوه ووضع يده قربها، ثم تمتم بتعويذة غير مفهومة.

سألته بارتباك: "ماذا تفعل؟"

أجابها مطمئنًا: "وضعتُ لكِ تعويذة تخفي طاقة الميدالية عن الناس. لن يكتشفها الناس العاديون، لكن من يعلم بمن ستلتقين لاحقًا."

وضعت رودين يدها على الميدالية المخبأة تحت ثيابها، ثم سألته بتردد: "لماذا تساعدني؟ لمَ لمْ تشك بي حين التقينا لأول مرة؟ قد أكون حقًا جاسوسة أو مشعوذة، وأنت لا تعرفني."

ابتسم أورفين بحنان وقال: "لكن أنت لست كذلك، أليس كذلك؟"

نظرت إليه ودموعها تتلألأ في عينيها، وهمست بصوت متهدج: "لما تفعل كل هذا؟"

فأجابها بلطف: "لأنكِ بدوتِ حزينة."

بهذه الكلمات البسيطة، انهمرت دموعها، وتساءلت في نفسها: "هل أنا مثيرة للشفقة لهذه الدرجة؟ هل يراني بائسة ويرغب بمساعدتي بدافع من الشفقة؟ ربما هو على حق، فقد قبلتُ معروفه من دون تردد، كطفلة صغيرة تلهث خلف الاهتمام."

أمانيثا حيث تعيش القصص. اكتشف الآن