امتدت الطريق إلى القصر الملكي كأفق ممتد، محاط بجمال طبيعي ساحر، حيث تألقت الأشجار الكثيفة وتمايلت الحقول المزهرة برقة، لتخلق لوحة تنبض بالسحر والرهبة. جلست رودين في العربة تتأمل المشهد بعمق غارقة في تفاصيله، بينما ساد الصمت بينها وبين أورفين، كان بينهما جداراً غير مرئي شكلته نظرات كاستوس الذي كان يقود حصانه بالقرب من نافذة العربة. تبادلت نظرات حائرة مع أورفين، الذي طمأنها بابتسامة هادئة ونظرة مطمئنة، وكأنما يعدها بأن الإجابة على كل تساؤلاتها ستأتي عند وصولهما.
توقفت العربة أخيراً عند بوابة القصر الملكي، فبدت أمامها تحفة معمارية شامخة تحكي قصص العظمة الرومانية. جدران شاهقة زينت بنقوش تروي أساطير أبطال مضوا، وأمام المدخل انتصبت تماثيل حجرية شامخة بملامح صارمة، تُضفي على الزائرين رهبة صامتة. أما الأعمدة الضخمة، فكانت تتلألأ بتفاصيل ذهبية تلمع تحت الشمس، تمنح المكان جواً من الفخامة والهيبة.
بخطوات بطيئة، تقدمت رودين نحو القصر وعينيها تجولان بين أركانه، متأملة جماله الملكي. اقترب رجل وامرأة كبيران في السن، يرتديان أزياء رومانية داكنة مُطرزة بخيوط ذهبية، تتدلى من أكتافهم دبابيس معدنية تدل على مكانتهما الرفيعة ككبيري خدم القصر. قال الرجل بانحناءة احترام وصوت مفعم بالوقار: "سموك، مرحبًا بعودتك."
ابتسم أورفين بحرارة، متقدماً ليعانق السيدة الكبيرة التي أبعدته بلطف، وضعت يدها على جبينها وكأنما تشتكي من ألم وهمست بعينين مملوءتين بالعتاب: "سموك، توقف عن هذه التصرفات الصبيانية!" ثم تابعت بتعبير مليء بالحنين والغضب المختلط: "هل تعلم كم عانينا بحثاً عنك؟ لقد قُلب القصر رأساً على عقب في اليومين الماضيين! كيف استطعت أن تتركنا في تلك الفوضى؟"
اعتذر أورفين بتواضع مفتعل وقال بصوت هادئ: "أعدك يا غايا العزيزة، لن أفعلها مجدداً."
حينها، تقدم كبير الخدم ، متأملاً رودين بنظرة ملؤها الفضول، وسأل أورفين بجدية: "سموك… من تكون هذه الآنسة؟"
أمسك أورفين كتف رودين وقربها إليه، بنبرة واثقة قال: "أعرفكما، هذه رودين… المرأة التي أسرَت قلبي."
شعرت رودين برعشة خفية وهي تسمع تلك الكلمات كررت في نفسها "هذا مجرد تمثيل، يا رودين، تذكري ذلك." استدار نحوها قائلاً بابتسامة مطمئنة: "رودين، هذه غايا،هي مثل الأم لي، وغايوس هذا الرجل الجاد هو معلمي المميز، وإن بدا صارماً."
تأملت غايا رودين بعيون مليئة بالدهشة، ثم ضربت كتف أورفين برفق وقالت له بلهجة حادة مفعمة بالعطف: "لا تخبرني أنك أخفت الفتاة المسكينة! ألهذا الحد جُننت؟"
ضحك أورفين قائلاً بمرح: "لقد فقدت قلبي، غايا."
هنا تدخل كاستوس بوجه جاد ، قائلاً: "لا تقلقوا، يبدو أنه أصيب بجنون الحب هذه المرة."صفق أورفين بمرح وقال: "حسناً، كفى جميعاً! دعونا نرحب بضيفة القصر. غايا، هل يمكنك أن ترافقها إلى غرفة مريحة لتأخذ قسطاً من الراحة؟"
ابتسمت غايا بود ووجهت نظرة لطيفة لرودين، قائلة: "تعالي معي، عزيزتي، ولا تقلقي."
تابعت رودين غايا ببطء، بينما لم تغب عنها نظرات الفضول الصامتة من الخدم الذين يرتدون أثواباً رومانية طويلة داكنة بأحزمة جلدية تضفي عليهم وقاراً، ويمسكون فوق رؤوسهم شالات خفيفة تتمايل مع خطواتهم.
مرت غايا برودين بين ممرات واسعة، تزينها تحف أثرية وأعمدة رخامية شاهقة، تتدلى منها شرفات تطل على حدائق القصر الباهرة. وعلى طول الطريق، بدأت غايا تحكي لها تفاصيل القصر وتاريخه، بينما امتزج بداخل رودين شعور بالرهبة والفضول. وفي أعماقها، تساءلت عن المصير الذي ينتظرها في هذا العالم الغريب، وعن قدرة قلبها على مواجهة تحديات هذا المكان الذي يبدو وكأنه حلم من عالم خيالي، حيث يختبئ خلف جماله أسرار كثيرة.
![](https://img.wattpad.com/cover/381203597-288-k84802.jpg)
أنت تقرأ
أمانيثا
Fantasiفي عالم من الخيال، تجد رودين نفسها تواجه واقعها القاسي بعد معرفتها بمرضها وفقدان صديقتها العزيزة. تُخبرها الأسطورة عن "أمانيثا"، المدينة التي يُزعم أنها تحقق الأماني المدفونة. لكن هل هي حقاً مدينة الأماني، أم أن فيها أسراراً أعمق؟ تنطلق رودين في رحل...