استفاقت رودين على صوت حوافر "نوكس" تضرب الأرض بقوة، فيما انسلت أشعة الشمس الأولى خجولة من بين ظلال الأشجار العالية. داعبت نسمات الصباح الباردة وجهها، فشعرت برجفة خفيفة تسري في جسدها. أدركت حينها أنها أمضت الليل مستندة إلى كتف أورفين. ارتبكت للحظة وهي تحاول فك تشابك أفكارها، لكن ابتسامته الهادئة التي قابلتها عندما فتحت عينيها جعلتها تحاول كبح خجلها.
قال أورفين بصوت عذب يحمل نبرة دعابة خفيفة:
"يبدو أن رحلتك إلى عالم الأحلام كانت مريحة."احمر وجهها خجلًا، فأشاحت بنظرها سريعًا وسألت لتغير الموضوع:
"هل اقتربنا من وجهتنا؟"تأمل أورفين الأفق ، وأجاب بابتسامة غامضة:
"تقريبًا. مقاطعة إيريدون ليست بعيدة، لكن دخولها صعب قليلا. سيدها لا يرحب بالغرباء وأيضا لا يرحب بي أنا ."استدارت رودين نحوه وقد ارتسمت الدهشة على ملامحها:
"لماذا؟"أجابها وهو يداعب عرف الجواد برفق، وكأنه يستحضر ذكرى بعيدة:
"خلاف قديم. ليس شيئًا يُحكى بسهولة."استمر الطريق في الالتواء بين غابات كثيفة تتناثر فيها أشجار شاهقة، حتى بدأت في الأفق ملامح قلعة شامخة. كانت القلعة تبدو كأنها حارس أبدي للمكان، تحيط بها أسوار ضخمة تتوسطها بوابة حديدية عملاقة مغلقة بإحكام. عند البوابة، وقف حراس بعيون حادة، كأنهم يستطيعون اختراق الأسرار بنظراتهم.
شعرت رودين بانقباض في صدرها وهي تحدق في المشهد المهيب:
"أورفين... هذا مستحيل. كيف سندخل؟"ابتسم أورفين بخبث جعل عينيه تتألقان بتحدٍ:
"ثقي بي. دائمًا لدي خطة."ترجل عن جواده وربت على رقبته، مشيرًا له بالعودة من حيث أتى، ثم أشار لرودين أن تتبعه. قادها إلى غابة كثيفة قريبة من أسوار القلعة، حيث انحنى وأزاح أغصانًا متشابكة ليكشف عن فتحة مخفية تحت الأرض.
قال بفخر وهو يزيل مزيدًا من الأغصان:
"نفق قديم استخدمه المهربون يومًا ما. لم يتوقع أحد أنه سيظل موجودًا."نظرت رودين إلى الفتحة بريبة:
"كيف تعرف بوجود هذه الأنفاق؟ وهل هي... آمنة؟"ضحك أورفين بخفة:
"أنا بارع في الهرب واكتشاف الأسرار. هل ظننتِ أنني أترك الأمور للصدفة؟ لكن لا أنكر، الطريق سيكون ضيقًا ومظلمًا."شعرت بتردد، لكنها زحفت خلفه، بينما الظلام يبتلع المكان تدريجيًا. أضاء أورفين كرة صغيرة من الضوء السحري، تناثرت أشعتها بهدوء على الجدران المتهالكة، مما أضفى على النفق شيئًا من الطمأنينة.
سألته بصوت خافت وهي تراقب انعكاس الضوء:
"هل استخدمت هذا النفق من قبل؟"أجاب بينما يزيد من سرعته:
"مرتين فقط. وهذه قد تكون الأخيرة."بعد مسير طويل، توقف أورفين أمام جدار حجري، ولمس بأطراف أصابعه نقوشًا غامضة عليه، ثم همس كلمات لم تفهمها. بدأ الجدار يتشقق ببطء ليكشف عن حديقة غنّاء يتوسطها قوس حجري مهيب.
قال بابتسامة عريضة:
"وصلنا."تأملت رودين المكان بدهشة:
"ظننت أن البوابة ستكون أضخم من هذا... إنها مختلفة عن تلك التي أوصلتني إلى أمانيثا."أجاب أورفين بابتسامة ساخرة:
"بوابات المقاطعات دائمًا أصغر من بوابات العواصم. لكن هذا يذكرني... قلتِ إنكِ عبرتِ بوابة إلى هنا ؟"أومأت برأسها:
"كانت مختلفة تمامًا . أعطتني شعورًا عجيبًا حين فتحت أمامي، ولم يحذرني ذلك الرجل من شيء. أورفين، هل يمكن لهذه البوابات أن تعيدني إلى عالمي؟"توقف لبرهة، ثم قال بصوت مفعم بالجدية:
"هذه البوابات صُنعت من قبل الساحر الأعظم لربط مماليك هذا العالم. لكنني لا أعتقد أنها تصل بين العوالم المختلفة.لكن لا تقلقي، سأجد طريقة لإعادتكِ."كلماته الأخيرة جعلت قلبها يثقل بشعور غريب، وكأنها لا ترغب في مغادرة هذا العالم. أمسك بيدها فجأة، ونظر إليها بجدية:
"كفى كلامًا الآن. لا تتركي يدي. أنتِ بلا سحر، وإذا أخطأتِ، قد تقذف بكِ البوابة بعيدًا."سألته بتوجس:
"وهل ستأخذنا هذه البوابة إلى ليبرتا؟"هز رأسه بثقة:
"ليس تمامًا. ستضعنا عند مدخل المدينة فقط."ردت بلهفة:
"وهل تعرف نفقًا سريًا آخر هناك؟"انفجر ضاحكًا هذه المرة:
"ليبرتا مدينة جديدة بالنسبة لي ذهبت مرة فقط و لم تسنح لي فرصة تجول بها بسبب الجنازة . سنكتشفها معًا."قبل أن تتمكن من الرد، أمسكها بقوة وسحبها عبر البوابة. شعاع أزرق ساطع غمرهما، جعل رودين تغمض عينيها بإحكام وهي تتمسك به بكلتا يديها.
حين اختفى الضوء، ملأت أنفها رائحة البحر المالحة. فتحت عينيها ببطء لتجد أمامها مدينة ساحلية خلابة. المباني البيضاء تلمع تحت أشعة الشمس الذهبية، والأمواج تداعب أطراف الشاطئ بهدوء.
همست رودين وهي تغمرها دهشة المشهد:
"إنها أجمل مما تخيلت..."
أنت تقرأ
أمانيثا
Fantasyفي عالم من الخيال، تجد رودين نفسها تواجه واقعها القاسي بعد معرفتها بمرضها وفقدان صديقتها العزيزة. تُخبرها الأسطورة عن "أمانيثا"، المدينة التي يُزعم أنها تحقق الأماني المدفونة. لكن هل هي حقاً مدينة الأماني، أم أن فيها أسراراً أعمق؟ تنطلق رودين في رحل...