عند عتبات السحر و الدفء

36 8 0
                                    

في ظلال الغابة الداكنة، كانت الرياح تعصف بين الأغصان وكأنها تعزف لحنًا عتيقًا من البرودة والعزلة. مشت رودين بجوار أورفين، تشدّ على معطفها حول جسدها النحيل، محاولةً درء قسوة الليل. كانت ترتدي ثياب نوم خفيفة، خرجت بها من منزلها على عجل، كأنها حاجز واهن بينها وبين عالم الجليد من حولها.

التفت إليها أورفين بصمت، عاكسًا بعينيه الذهبيتين بريقًا لطيفًا، وعندما لمح ارتجافها، نزع معطفه الطويل ووضعه برفق على كتفيها. كان المعطف مزخرفًا بأطراف ذهبية، ويعلوه طوق من الفراء الأسود الكثيف. رافقها الدفء الذي تسرب من قماشه الفخم.

تراجعت رودين بدهشة ممزوجة بالخجل، وقالت محاولةً الرفض بلطف: "سوف تشعر بالبرد... لا أستطيع قبوله."

ابتسم أورفين بملامح هادئة وقال: "ولا أستطيع تحمّل رؤية آنسة ترتجف بينما أتمتع بالدفء. لا تقلقي، كدنا نصل. وهناك سأشعل الحطب، وسننسى هذا البرد."

تسللت ابتسامة خجولة إلى شفتيها وهمست بخفوت: "شكرًا لك."

واصلا سيرهما وسط الظلام، وقلب رودين ينبض بارتباك غريب، وكأنها على وشك عبور عتبة إلى عالم مختلف تمامًا. فجأةً أشار أورفين للأمام وقال بهدوء: "انظري، لقد وصلنا."

رفعت رأسها لترى كوخًا صغيرًا محاطًا بالأعشاب البرية، مكسوًا باللبلاب كأنما هو جزء من الغابة نفسها. كانت واجهته الخشبية وزخارفه القديمة تنضح بحكايات غامضة منسية. رغم الظلام، كان ينبعث من داخله دفء خفي، يمنح شعورًا بالأمان.

فتح أورفين الباب بحركة مهيبة، وأشار بيده بلطف نحو الداخل: "تفضلي، آنستي."

ضحكت رودين بخفة، وأثار دهشتها أسلوبه المهذب الذي لم تعتد عليه. لاحظ أورفين ابتسامتها وسألها مستفسرًا: "ما الذي أضحككِ؟ ألا يتصرف الرجال بهذه الطريقة في بلدك؟"

أجابت بابتسامة باهتة، محاولةً كتم توترها: "نادراً ما يُظهرون مثل هذا الاحترام."

ابتسم بخفة وقال: "إذًا، يسعدني أن أكون أول من يفعل ذلك."

دخلت الكوخ، وتشعر وكأن خطواتها تقودها نحو عالمٍ من السحر. أُغلق الباب خلفهما، فحلّ سكون تام في المكان.

اعتذر أورفين قائلاً: "آسف، نسيت إشعال النور." ثم طرقع بأصابعه، لتشتعل الشموع فجأة والمدفأة حولهما. ملأ المكان نور دافئ هادئ، جعلها تشعر وكأنها انتقلت إلى بُعدٍ آخر. همست بدهشة: "هل... هل هذا سحر؟"

أومأ أورفين برأسه بابتسامة وديعة: "نعم، هنا السحر أمر شائع. معظم من في هذا العالم لديهم قدرات خاصة."

تملكتها رهبة ممزوجة بالدهشة، وراقبته وهي تتأمل ملامحه الوسيمة تحت ضوء الشموع، وكأنها صنعت بتفاصيل دقيقة على يد فنان قديم. عجزت عن الكلام للحظات، بينما دار في ذهنها سؤال محير: "كيف لرجل وسيم كهذا أن يكون معي هنا؟"

ثم همست بخفوت: "هذا مذهل!" لكنها كانت تحمل بداخلها مزيجًا من الفضول والخوف.

نظر إليها أورفين بنظرة عميقة وسأل بلطف: "تبدين متأثرة... ما الذي جاء بكِ إلى هنا؟"

ترددت رودين، تتجول عيناها بين تفاصيل الكوخ المليء بالغموض، من الرسوم القديمة المتشابكة على الجدران، إلى الرفوف المكتظة بكتب عتيقة وأدوات غريبة. ثم أجابت بشجن: "أخبرني أحدهم عن مدينة تُدعى أمانيثا، قالوا إنها المكان الذي تتحقق فيه أعمق الرغبات. ربما لم أكن أبحث عن شيء محدد، بل كان هناك شعور داخلي يلحّ عليّ للمجيء، وكأن شيئًا ما يناديني."

أومأ أورفين برأسه بأسف وقال: "أخشى أن من أخبركِ كان مخطئًا. أمانيثا ليست كما تتصورين، ربما كانت مجرد أسطورة."

شعرت رودين بانكسار داخلي، كأن كل خطوة قادتها إلى هنا كانت وهمًا. لكنها كانت تدرك في أعماقها أن مجيئها لم يكن فقط للهروب، بل للبحث عن أمل، عن ملاذ يبعدها عن وحدتها، ويمنحها شعورًا بالانتماء.

أمانيثا حيث تعيش القصص. اكتشف الآن