تسللت خطواتهم المرتجفة إلى تلك المدينة المهجورة، حيث ارتفعت بوابة عظيمة تحيط بأسوار مهشمة . سرت قشعريرة كأنها تيار كهربائي في أجسادهم، وتقدموا بحذر مشوب بالخوف، مطاردين بأصوات الرياح التي تئن بين الأزقة الضيقة، كأرواح هائمة تائهة تبحث عن الخلاص. المباني القديمة كانت تتداعى، وكأنها تئن هي الأخرى، والشوارع خاوية كأن الحياة قد هُجرت منها منذ زمن بعيد. انعكست ظلالهم المرتجفة على الجدران المتهالكة، وكأنها أشباح تراقبهم من بين الشقوق.رودين، التي كانت تسير خلف أورفين، شعرت بوخز عميق من الخوف يتسلل إلى صدرها. همست، محاولة كسر الصمت الثقيل الذي كان يطغى على المكان:
"ماذا حدث هنا...؟"أجابها أورفين بصوت منخفض، يشوبه الحذر:
"لا أعلم. لم أزر هذه المملكة منذ مدة، لكنها كانت ثرية ومزدهرة. كانت مركزًا لكل العمليات التجارية... من المستحيل أن تنهار فجأة. لو اندلعت حرب، لعلمنا بذلك في أمانيثا. يبدو كأن هذه المدينة مهجورة منذ شهور، مستحيل أن يحدث هذا خلال يومين..."زاد المنظر الكئيب من رعب الجميع، لكنهم واصلوا السير رغم الخوف الذي ينهش قلوبهم. أما ليفيانا، فكانت خطواتها مثقلة، وكأنها تجر خلفها أعباءً لا يراها أحد. التفتت نحو زيف، الذي كان يسير بخفة، يراقب السماء الرمادية بعيون حادة. قالت بصوت مرتعش:
"هناك شيء... كأننا لسنا وحدنا."ابتسم زيف ابتسامة باهتة، لكن عينيه كانتا تحملان يقظة مقلقة:
"الشعور الذي يراودكِ صحيح... هناك من يراقبنا."هبت رياح قوية فجأة، وأحدثت الأبواب الصدئة أصواتًا أشبه بصرخات مكتومة. تراجعت ليفيانا خطوة إلى الوراء، بينما رفع أورفين يده، يأمر الجميع بالتوقف. أذناه كانتا تلتقطان همسات خفية، كأنها صادرة من عالم آخر. همس بحذر:
"كونوا يقظين... لا أريد مفاجآت."شقوا طريقهم عبر الممرات الضيقة بحذر شديد، حتى وصلوا إلى ساحة صغيرة تتوسطها نافورة قديمة، جافة كأنها لم تعرف الماء يومًا. توقفت رودين، عيناها تحدقان في الأفق، ثم أشارت بإصبع مرتجف نحو مبنى ضخم في نهاية الساحة، نوافذه مغطاة بألواح خشبية مهترئة، لكن شعاعًا خافتًا من الضوء كان يتسلل منها، كأنها نبض المدينة الأخير... أو فخ قاتل.
قال زيف وهو يعقد حاجبيه بقلق:
"علينا التحقق من ذلك المكان. ربما نجد الإجابات التي نبحث عنها."أومأ أورفين بصمت، وتقدموا نحو المبنى بخطوات متثاقلة. مع كل خطوة يخطونها، ازدادت الرياح عنفًا، كأنها تحاول صدّهم أو تحذيرهم من المجهول. صعدوا الدرجات الحجرية المتآكلة، حتى وصلوا إلى الباب الضخم. وضع أورفين يده عليه، لكنّه توقف، والتفت نحوهم قائلاً بصوت جاد:
"استعدوا... قد يكون ما خلف هذا الباب مختلفًا عما نتوقع."فتح الباب ببطء، فتسللت رائحة خانقة، مزيج من العفن والدماء. كان الداخل مظلمًا، الجدران متشققة، ومغطاة برسوم قديمة غامضة، وأصوات خفية تتردد كأنها همسات من الماضي. مشوا بحذر، أعينهم تفحص المكان، حتى لفت انتباههم كتاب ضخم مفتوح على منضدة مهترئة في وسط الغرفة.
اقتربت رودين، يملؤها الفضول والخوف، وهمست وهي تحدق في الكلمات الغريبة المنقوشة:
"هذه اللغة... تبدو مألوفة بطريقة غريبة، لكنني لا أستطيع قراءتها."فجأة، اهتز المكان، وكأن الأرض نفسها قد انتفضت. تراجعت ليفيانا، وعيناها تتسعان برعب:
"ما الذي يحدث؟!"ملأت الغرفة أصوات خطوات ثقيلة، تردد صداها مع أنفاس غريبة كأنها تخرج من أعماق الأرض. ظهرت ظلال داكنة تتراقص على الجدران، بلا مصدر واضح. استل أورفين خنجره، صوته كان حازمًا:
"أظهروا أنفسكم!"زيف نظر إليه بابتسامة ساخرة، لكنه قال بحذر:
"هل تعتقد أنك ستقاتل بهذه القطعة؟"لمح أورفين رمحًا طويلًا في زاوية الغرفة، أمسك به سريعًا، وأخفى الفتاتين خلف ظهره، استعدادًا لأي هجوم.
لكنّ الإجابة الوحيدة التي جاءتهم كانت ضحكة مكتومة، تتردد في الأرجاء كأنها تأتي من كل مكان... ومن لا مكان. فجأة، من قلب الظلام، ظهر غول ضخم، عينيه تشعان بنيران خافتة. قال بصوت عميق اخترق الصمت:
"لم يكن عليكم المجيء إلى هنا..."تجمد الجميع في أماكنهم، وكأن الزمن قد توقف.

أنت تقرأ
أمانيثا
Fantasyفي عالم من الخيال، تجد رودين نفسها تواجه واقعها القاسي بعد معرفتها بمرضها وفقدان صديقتها العزيزة. تُخبرها الأسطورة عن "أمانيثا"، المدينة التي يُزعم أنها تحقق الأماني المدفونة. لكن هل هي حقاً مدينة الأماني، أم أن فيها أسراراً أعمق؟ تنطلق رودين في رحل...