بينما رودين تسير عائدت إلى منزلها، بدا وكأن كل كلمة مكتوبة في ذلك الدفتر تستدعيها، تحثها على الغوص في أعماق مشاعر ليلى التي لم تُتح لها الفرصة لفهمها من قبل. شعرت أن هذا الدفتر ليس مجرد أوراق وصور، بل جسر يمتد بين قلبها وبين صديقتها الراحلة، ورغم ذلك تملكها خوف غامض من محتواه، كأنها تخشى مواجهة الحقيقة التي دفنتها الذكريات.
سارت رودين شاردة، غارقة في أفكارها، لا تدري إلى أين تتجه قدماها. وفي وسط حيرتها، كانت هناك رائحة غريبة تملأ أنفاسها، نفس رائحة الورود السوداء التي شمّتها في تلك الحديقة العجيبة. رفعت رأسها ببطء، فإذا بها تقف في نفس المكان المريب مرة أخرى. "كيف وصلت إلى هنا مجددًا؟" همست لنفسها بدهشة.
ظهر أمامها الرجل ذاته، يحمل قطة رمادية ويداعبها بلمسات حانية. ابتسم لها بنظرة مشرقة، وقال بنبرة واثقة: "ها أنتِ هنا مجددًا، لكن تبدين أكثر ضياعًا هذه المرة."
نظرت إليه بعينين تتلاعب بهما الشكوك والقلق، وسألته بلهجة متوترة: "من تكون بحق؟"
أجابها بلطف: "لقد أخبرتكِ من قبل، أنا مرشدكِ. أنا هنا لأرشدك إلى مدينة تستطيعين فيها تحقيق ما ترغبين به بشدة."
حدقت فيه وهي تسأل بلهفة لا تخلو من اليأس: "وهل يشمل هذا عودة الأموات؟"
ابتسم الرجل بأسف، قائلاً: "للأسف، هذا أمر يتجاوز قدرات تلك المدينة. لكن، من خلال هذه الرحلة، قد تصلين إلى ما كنت تسعين إليه طوال الوقت."
تنهدت بمرارة وقالت: "إذا كان ذلك مستحيلاً، فما الفائدة؟ ما أريده هو عودة ليلى، وهذا لا يمكن تحقيقه."
ردّ عليها بابتسامة مطمئنة: "ليس لديكِ ما تخسرينه، فلماذا لا تجربي الذهاب؟"
أدارت له ظهرها، مترددة، لكن كلماته لامست شيئاً عميقاً في نفسها. "ماذا لو كانت هناك حقاً إجابات لم أكتشفها بعد؟" فكرت بين نفسها. كانت الحيرة تتأرجح داخلها، إلا أن فضولاً شديداً أخذ يتسلل إلى قلبها.
تابع الرجل حديثه، وكأنه يقرأ أفكارها: "إذا كنتِ تؤمنين أن بوسعكِ تغيير مصيرك، فهل هناك ما يمنعكِ من المحاولة؟"
توقفت، ثم استدارت نحوه وسألته: "وماذا عساها تقدم لي تلك المدينة؟"
أجابها وهو ينظر بعيداً، كأنما يتحدث عن عالم آخر: "هناك، سترين ما فاتكِ. ستغوصين في ذكرياتك وذكريات ليلى، وستكتشفين جوانب من نفسك لم تعهديها. ربما تجدين أيضاً السلام الذي تبحثين عنه."
مرت بذاكرتها مشاهد عزيزة، ضحكات صادقة وأحلام صاغتها مع ليلى. شعرت أن الذهاب قد يمنحها فرصة لتستعيد تلك الأجزاء المفقودة منها، أو ربما يجدد الأمل الذي خفت بداخلها منذ رحيل صديقتها. ترددت للحظة، ثم همست: "وماذا لو لم أجد ما أبحث عنه؟"
نظر إليها الرجل بعينين عميقتين، وقال: "في كل رحلة هناك إجابات، حتى لو جاءت من حيث لا تتوقعين."
شعرت بالشجاعة تتسلل إلى قلبها شيئاً فشيئاً، واستدارت نحوه بعزم. "سأذهب، لكن ليس لأجلك، بل لأجل ليلى."
ضحك الرجل برفق وقال: "هكذا هي روح المغامرة. اذهبي، ودعي المدينة تكشف لكِ عن أسرارها."
ومع أولى خطواتها نحو المدينة، شعرت بتغير داخلي، كأن تلك المدينة تمثل لها أملاً جديداً، وأخيراً فرصة لتسأل الأسئلة التي طالما خشيت مواجهتها، ولتبحث عن السلام الذي فقدته منذ زمن.
![](https://img.wattpad.com/cover/381203597-288-k84802.jpg)
أنت تقرأ
أمانيثا
Fantasiفي عالم من الخيال، تجد رودين نفسها تواجه واقعها القاسي بعد معرفتها بمرضها وفقدان صديقتها العزيزة. تُخبرها الأسطورة عن "أمانيثا"، المدينة التي يُزعم أنها تحقق الأماني المدفونة. لكن هل هي حقاً مدينة الأماني، أم أن فيها أسراراً أعمق؟ تنطلق رودين في رحل...