بينما كانت رودين جالسة تتأمل المدينة الممتدة أمامها كلوحة تنبض بالحياة، قطع الصمت صوت طرق خفيف على الباب. استدارت دون أن تنزع عينيها عن المشهد، وقالت بنبرة هادئة:
"ادخل."
دخل أورفين، يحمل صينية طعام بيده، ووضعها برفق على الطاولة القريبة منها، ثم جلس إلى جانبها، تتلاشى ملامح التعب على وجهه بشيء من القلق.
"تناولي هذا... لم تأكلي شيئًا منذ الأمس."
ابتسمت له بابتسامة شاحبة، وقالت:
"شكرًا لك، أورفين... لكن، أخبرني، أين كنت؟ ذهبت إلى غرفتك ولم أجدك هناك."تردد للحظة قبل أن يرد:
"خرجت لجمع المعلومات. يجب أن أجد طريقة للدخول إلى القصر."تفاجأت من صيغة حديثه وقالت:
"الدخول إلى القصر؟!"هز رأسه مؤكدًا:
"نعم. الأمر ليس سهلًا، ويحتاج إلى تخطيط دقيق."حدقت فيه بحاجبين معقودين وقالت:
"لماذا تتحدث وكأنك ستذهب وحدك؟"تنهد ونظر إليها بحزم:
"رودين، هذا خطر كبير. أنا وافقت على قدومك معي إلى هنا، لكن التسلل إلى القصر أمر آخر تمامًا. ستبقين في هذا النزل حتى أنتهي، وسأرسل لكِ عندما يحين وقت المغادرة."نهضت من مكانها بغضب مكتوم، ووقفت أمامه قائلة:
"لن أفعل! لقد وعدتني بأنك لن تتركني أضيع. أنا قادمة معك."أمسك بكفيها برفق وقال بصوت يشوبه القلق:
"رودين، أنا فقط أريد أن أحميك. التسلل إلى القصر وخطف ليفيانا ليس بالأمر السهل."نفضت يديها بعيدًا ونظرت إليه بعينين متحديتين:
"قلت لك أنني سأساعد. لن تذهب وحدك!"تنهد من جديد، وكأنما يحمل على صدره ثقل العالم، ثم قال:
"وكيف يمكنك المساعدة؟"أجابت بحزم:
"أخبرني أولًا كيف تخطط لتنفيذ المهمة."لم يعد هناك مفر من الحديث، فجلس مجددًا وقال:
"كنت أفكر في تخدير أحد الحراس وسرقة ملابسه. سأدخل متخفيًا وأجد طريقة للوصول إلى ليفيانا."ابتسمت بسخرية واضحة وقالت:
"ثم ماذا؟ كيف ستجد الأميرة في قصر مترامي الأطراف؟ وكيف ستخرج بها؟"نظر إليها حائرًا، ولم يجد إجابة.
"أنت بحاجة لي، أورفين."
رفع حاجبيه متعجبًا من ثقتها، وسألها:
"وكيف يمكن ذلك؟"أضاءت عيناها بشيء من الحماسة وقالت:
"سمعت من الفتيات سابقا أن القصر يبحث عن خادمات إضافيات بسبب التحضيرات لحفل الزفاف الملكي. لا توجد شروط محددة، ويمكنني الدخول معهن كخادمة. هناك سأتمكن من التحرك بحرية داخل القصر، وسيكون الأمر أسهل بكثير. أما أنت، فعليك التفكير في خطة لإخراجنا."نظر إليها طويلاً، يدرس ملامحها التي كانت تضج بالإصرار. ثم قال:
"فكرة جريئة... لكنها خطيرة."ابتسمت بثقة وقالت:
"نحن نعيش على حافة الخطر منذ البداية أنت أحمق و أنا حمقاء هذه هي النتيجة ، أليس كذلك؟"في ظلال الليل المخملية، تسللت رودين برفقة مجموعة من الخادمات الجدد إلى القصر الملكي. وقفت أمام البوابة العملاقة، تتأمل تفاصيلها المزخرفة التي تحكي عن عظمة المكان وسلطانه. ارتدت ثوبًا بسيطًا للخادمات، ورفعت شعرها على عجل كما فعلت الأخريات.
قامت إحدى المشرفات بتفقد المجموعة، وبتنهيدة من الصدفة المحضة، مرت رودين دون أي ريبة. كان قلبها يخفق كطائر صغير، لكنها ظلت محافظة على هدوء ظاهر.
في الداخل، شعرت وكأنها انتقلت إلى عالم آخر. الممرات كانت تفيض بالذهب، والثريات المتلألئة تسكب ضوءها على الجدران المزينة بلوحات أسطورية.
كانت الخطوة الأولى قد تمت. الآن، عليها إيجاد طريقة للعثور على الأميرة ليفيانا، بينما ينتظر أورفين في الظلال خارج القصر، متأهبًا لإشارتها.
... ولكن، وسط هذه الخطة المحكمة، كان للقصر أسراره الخاصة التي لم يكن أي منهما مستعدًا لمواجهتها.
أنت تقرأ
أمانيثا
Fantasiaفي عالم من الخيال، تجد رودين نفسها تواجه واقعها القاسي بعد معرفتها بمرضها وفقدان صديقتها العزيزة. تُخبرها الأسطورة عن "أمانيثا"، المدينة التي يُزعم أنها تحقق الأماني المدفونة. لكن هل هي حقاً مدينة الأماني، أم أن فيها أسراراً أعمق؟ تنطلق رودين في رحل...