دفتر اليوميات

10 3 0
                                    

كانت  الأيام في قصر أمانيثا بمثابة بلسم خفي لقلب رودين، تملأ روحها بلمسات من سكينة لم تألفها، ومزيج من الدهشة المتجددة. كل صباح، تأتي الأميرة إليها كنسمة لطيفة، تمسك بيدها وتخرجها من غرفتها، لتأخذها في جولات بين زوايا القصر العتيق، تكشف لها عظمة تاريخ أمانيثا بكلمات تفيض بالفخر. وعلى الرغم من جدال الأميرة المتكرر مع غايا حول مدى تأثير هذه الرحلات على صحة رودين، كانت الجولات تساعدها على الخروج من قوقعتها، تلامس نبض الحياة من جديد، وتعيد إليها بعضًا من بريق الحياة المفقود.

لكن، وسط هذا الأمل الوليد، لم تزل في أعماقها جروح لم تلتئم. ألم فقدان ليلى لا يزال يثقل قلبها، يتسلل إلى ذاكرتها كما لو كان يعيد فتح جرح لا يندمل. ومع ذلك، كانت الحياة في القصر تمنحها بصيصًا خافتًا من السلوى، وكأن الزمان يخفف عبء الألم برفق. وجالينوس، الطبيب الهادئ الذي لا يفارقها، يجري كل الفحوصات الممكنة، يتعامل مع حالتها وكأنها لغز لا بد من حله، حتى عندما تُخبره بلا جدوى جهوده، يردّ بإصرار يحمل بصيص أمل. تخلت رودين عن محاولات ثنيه، ورغم أن بعض أدويته كانت تُخفف الألم لبرهة، إلا أن الألم يعود، طاغيًا ومتجددًا، يذكّرها بحقيقتها القاسية. لولا ذلك الألم الذي يحيط بها من كل صوب، وغياب ليلى الذي يؤلم روحها، لظنت نفسها في نعيم أبدي.

أما أورفين، فقد غاب عنها؛ إذ أوكله الملك بمهام تتعلق بأمن المدينة، عقابًا له على هروبه. حاولت تقبّل غيابه، لكن الشوق بدأ يتسرب إلى قلبها شيئًا فشيئًا، شعور لم تفهمه بالكامل، وكأن غيابه ترك في روحها فراغًا لا يمتلئ.

حلّ الليل وأسدل على القصر ستار السكينة، غير أن النوم استعصى على رودين، تتقلب في فراشها مرارًا حتى ضاق بها الحال، وهمست لنفسها: "حقًا... لا أدري ماذا أفعل. يا ليت هاتفي كان معي الآن."

وفي لحظة هدوء مفعمة بالذكريات، قفز إلى ذهنها دفتر يوميات ليلى. شعرت بارتباك يتسرب إليها، لكنها نهضت وأخذت مفتاح الخزانة، أخرجت الدفتر بهدوء، تمعنت في غلافه الذي يحمل عبق ليلى، ثم همست بمرارة: "ليلى، ما هو السر الذي أخفيته هنا؟"

حلقات من الألم خيمت حول قلبها، لكنها استجمعت شجاعتها أخيرًا، وصفعت خديها كأنها تدفع عن نفسها التردد، وقالت بصوت عازم: "كفى ترددًا، لن أخاف بعد الآن. دعينا نرى ما كتبتِ، يا ليلى."
فتحت رودين الدفتر بحذر، كأنها تلامس جزءًا من روح ليلى العالقة بين الصفحات، محملة بآمال أن تجد كلمات تركتها صديقتها كرسالة أخيرة، كأنها تسمع صوتها يهمس في قلبها. لكن ما إن رفعت الصفحة الأولى حتى تجمدت في مكانها، لتجد أن الدفتر... فارغ تمامًا.

حدقت في الصفحات البيضاء، غير مصدقة. تقلب الأوراق، واحدة تلو الأخرى، لكن لا شيء، كل صفحة بيضاء ناصعة كأنها لم تُكتب قط. شعرت بخيبة عميقة تتسلل إلى قلبها، كأنها فقدت ليلى مرة أخرى، كأنما ضاع الأثر الأخير منها للأبد. تمتمت بصوت منخفض، بائس: "ليلى... لماذا؟ ألم تتركي لي أي شيء؟"
غطى اليأس على قلبها مجددا ،و شعرت بالوحدة مجددا.

أمانيثا حيث تعيش القصص. اكتشف الآن