اتسعت عيونهم في مواجهة الظل الهائل الذي ارتسم أمامهم، كأن الزمن قد انكمش فجأة ليصبح مجرد صدى عالق في هذا المكان الموحش. الرياح، التي كانت تعزف سيمفونية الموت على أوتار الصمت، ازدادت حدةً، تئن بين أركان المدينة المهجورة وكأنها تروي قصة سحيقة. خطا الغول خطوة إلى الأمام، فاهتزت الأرض تحت ثقله، وتردد صداه كأنه يحفر في أعماق أرواحهم، يكشف كل خوف دفين، وكل سر مدفون تحت أنقاض الذاكرة.
أورفين، الذي بدا كمن يصارع مشاعره المختلطة ، قال بصوت حاول أن يبدو ثابتًا:
"من أنت؟ ما الذي حلّ بهذه المدينة؟"تشوه وجه الغول في ابتسامة ساخرة، كأنها تستهزئ بخوفهم، شقّت طريقها عبر ملامحه المتهالكة، كأنها جرح مفتوح ينزف تاريخًا من الألم. رفع يده العملاقة، مشيرًا إلى الجدران التي همست نقوشها القديمة كأنها أرواح مسجونة:
"حمقى... جئتم لهلاككم. هذه نهايتكم جميعًا، وسيعود مجدنا الذي ظننتم أنه اندثر!"أخذ زيف خطوة إلى الأمام، عيناه تلمعان بتحدٍّ يشوبه القلق:
"ماذا حدث هنا؟ أين أهل المدينة؟"تعالى صدى ضحكة الغول، كأنها تتردد من أعماق الهاوية، موغلة في الظلام:
"في الجحيم... حسنا أنتم ذاهبون إلى هناك على أية حال!"في تلك اللحظة، انجذبت أنظارهم إلى الكتاب الضخم الذي ما زال مفتوحًا على الطاولة. نقوش غريبة تومض كأنها تكتب نفسها من جديد. همست رودين، وهي تشعر بوخز الخوف يتغلغل في أعماقها:
"هل هذا... سبب الخراب؟"أجاب الغول بنبرة حملت في طياتها ألف تهديد:
"إنه جحيمك... الذي اخترتِ أن تفتحي أبوابه."اهتز المكان بعنف ،بدأت الأرض تتكسر تحت أقدامهم كأنها ترغب في ابتلاعهم إلى قاع مجهول. صرخ أورفين، محاولًا السيطرة على فوضى اللحظة:
"ابتعدوا عن الكتاب!"لكن رودين لم تستطع أن تتحرك. كانت قوة غامضة تشدّها نحوه، كأن الكتاب أصبح امتدادًا لروحها. حاول زيف سحبها، صوته يفيض بالقلق والغضب:
"قاومي، يا غريبة!"ارتفعت الرياح، صارت كالعاصفة، والظلال الداكنة بدأت تتجمع حول الغول، وكأنها تُعيد تشكيله من جديد. همس بصوت عميق، مشوب برهبة غامضة:
"لقد أتيتم في الوقت الخطأ... أو ربما في الوقت الصحيح."تراجعت ليفيانا إلى الخلف، تبحث عن مخرج، لكن الجدران بدت كأنها تغلق عليهم شيئًا فشيئًا، تبتلع الأمل معهم. همست، وصوتها يرتعش:
"نحن... محاصرون..."أورفين، الذي كان يرى في كل زاوية شبح النهاية، قال بصوت هادئ، لكنه مفعم بالتصميم:
"لا... هذه ليست النهاية."رفع الرمح وتقدم نحو الغول، كأن الموت أصبح مجرد خيار آخر. لكن الغول ابتسم مرة أخرى، تلك الابتسامة التي تحمل في طياتها شفقة غريبة:
"الشجاعة وحدها لا تكفي... أحيانًا، عليك أن تعرف متى تهرب."في لحظة، انفجرت الجدران بعنف، وتناثرت الحجارة كأنها شظايا من ذاكرة قديمة تحطمت أخيرًا. قبل أن يدركوا ما يحدث، تحرك زيف بسرعة خاطفة، فرقع أصابعه، وتغير المشهد.
وجدوا أنفسهم على حافة جرف مرتفع، تهب عليهم رياح باردة، وأطلال المدينة تلوح لهم من بعيد، كأنها سراب يتلاشى ببطء. كان الصمت أثقل من أي كلمات، والخوف لم يعد مجرد شعور... أصبح جزءًا منهم.
قال أورفين، وهو يحدق في المدينة التي بدت كأنها تراقبهم من بعيد:
"لقد نجونا... هذه المرة."
![](https://img.wattpad.com/cover/381203597-288-k84802.jpg)
أنت تقرأ
أمانيثا
Fantasíaفي عالم من الخيال، تجد رودين نفسها تواجه واقعها القاسي بعد معرفتها بمرضها وفقدان صديقتها العزيزة. تُخبرها الأسطورة عن "أمانيثا"، المدينة التي يُزعم أنها تحقق الأماني المدفونة. لكن هل هي حقاً مدينة الأماني، أم أن فيها أسراراً أعمق؟ تنطلق رودين في رحل...