[ مابعد الكفاح - ماقبل البداية - الفصل صفر ]

14.2K 635 285
                                    

◆◆◆

وحيدة، جوفاء، ممسوحة التعابير، حاملة كأس حليب بالكاكاو وددت أن أجعله قهوة لأضفي على مشهدي هذا بعض الكلاسيكية وشيئا من النضوج وأبهركم يا قرائي الأعزاء لكن ما باليد حيلة لست قادرة على مجاراة بطلات الدراما التركية.

لكن صدقا، أنا لست من هواة المرارة، فقد تجرعت منها مايكفي طيلة السنين الإحدى والعشرين التي مضت، كما أن"لوان الطفلة" لازالت حية بداخلي، لذا لم أجد ما يروقني في طعمها بعد.

*

هذا السقف الذي يؤويني، تلك المدفأة التي تذيب جليد الماضي عن كاهلي، هرتي الروسية ذات الفرو الفضي، ملمس كوب الحليب الدافئ، صوت المطر، رائحة التربة المبتلة، نافذتي المزينة بقطرات الغيث المطلة على شجرة الكرز والشارع الرئيسي، هي الآن كنزي الثمين، هي الآن عائلتي، هي الآن كل ما في حوزتي.

مر شريط قصير من الماضي أمام ناظري أحيى بي كل وجع، لم يوقظني منه إلا انعكاس وجهي على النافذة، تأملت خليط وجهي المألوف الذي لطالما سحبني بعيدا الى أيامي الدفينة. كل قطعة من ملامحي تذكرني بكل شخص حمل شيئا منها، عينا أبي وثغر أمي، ملمس شعري الناعم الشبيه جدا بأخي ،.. أهلا بالعذاب!

تأملت محياي المنعكسة صورته على زجاج النافذة، بشرتي الصافية التي أخفت عيوبها الطفيفة قطرات المطر المنتشرة هنا وهناك، جبهتي المكسوة بغرتي، عيناي الواسعتان عسليتا اللون كثيفة الرموش، وجنتاي المحمرتان إثر البرد القارس، ثغري الوردي الصغير الممتلئ، ضفيرتي السوداء المنسدلة على كتفي مرورا بصدري نهاية إلى خصر.

قلت في خاطري بنبرة متهكمة :هه أولست أبدو على قدر لا بأس به من الجمال؟ ليت الناس تنظرني بعين زجاج النافذة.

أنا "لوان : Loane" أجل أنا النور أنا الضياء أنا المنار أنا السراج أنا القمر... انتقى والداي إسمي هذا بعناية كوني كنت -منذ يومي الأول- طفلة مشرقة دائمة الابتسام، لكن الآن أنا لا أشبه إسمي بشيء للأسف، أحيانا أرتئي أن إسم "ظل : Ombre" ، "سواد : Noire" أو "خسوف : éclipse " انسب بشخص مثلي.

أعيش هنا منذ فترة وجيزة، هذا البيت الصغير ثمرة جهد ونضال ضد الظلم طوال سنين ثلاث وها أنا ذي ظفرت بشيء مما أمضيت سنينا شاقة أسعى لإدراكه، وكذلك درس قاس في الحياة!

◆◆◆

نحو الضياءحيث تعيش القصص. اكتشف الآن