[ اعتداء - رحيل - الفصل الرابع عشر ]

2.3K 271 101
                                    

"أمي، أبي، أخي، أنا قادمة."
"أنا أستسلم."

كان هذا آخر مافكرت فيه بعد أن أطبقت جفنياي اللذان لا زالا ينزفان قهرا خائرة القوى، فلا شك أن أمري قد انتهى بالفعل، إلى متى كنت لأصمد بحق؟ ليس ببينتي الهزيلة، ليس بطاقتي التي استنزفت بالفعل، ليس في حالي الميؤوس منه، فليحدث مايحدث، لكن فلتفارق روحي الحياة بعد ذلك، لألحق بمن سلف وأن هجروني.

ما إن أعددت نفسي للحظاتي الأخيرة حتى انتزع المجهول كفه عن متنفسي، ليكشف لي عن خلقته البغيضة التي لم تكن سوى لابن الحثالة مجددا، وبالرغم من استنشاقي باشتياق جرعة وافية من الهواء الذي خلت أنني لن أشتمه بعد الآن إلا أنني وددت لو لم يفعل ذلك بعد أن اكتسحت رئتياي رائحة الكحول العفنة المنبعثة من فمه الكريه مما زاد من اختناقي اختناقا حتى انكتم صوتي الذي كان أملي الأخير ومابت قادرة على طلب النجدة أو الصراخ.

لم يكتفي غلطة الطبيعة بخنقي وتلويث هوائي فقط، بل أمسك بكلتا يدي بكفه الضخمة ليحكم عليهما قبضته، بينما تجرأت كفه الثانية على تمزيق قميصي مرورا بطوقي الذي كان آخر ما حصلت عليه من أمي، هنا بالذات تحرك جسدي الضعيف المثخن بالجروح وآثار حزام خالي لا إراديا ليعلن عن رفضه الخضوع لبطش الوغد الذي يتأبط بي شرا، حاولت بكامل قواي الواهنة دفعه بعيدا عني، حتى لو لم تكن لمقاومتي نتيجة تجدى إلا أنها أفضل من البقاء مكتوفة اليدين لأندم بعد مرور سنين على استسلامي بينما كان في وسعي أن أفعل ولو القليل.

لكن للأسف وبالرغم من محاولاتي المستميتة للفكاك من براثن هذا الوحش البري إلا أنها كلها باءت بالفشل لتسيل من مقلتي دمعة يائسة من قلة حيلتي.

هل انتهى أمري هذه المرة حقا؟ ألم أرى كابوسا مشابها من قبل؟ أيعقل أن أكون غارقة في إحدى كوابيسي المرعبة العميقة حقا؟ لكن هذا الكابوس وعلى غير العادة يبدو واقعيا أكثر، حسيا أكثر، مؤلما ومذلا أكثر، حتى أنني ولأول مرة أرجو الموت بإلحاح كما لو كان آخر سبيل لخلاصي، كما لو كان النور وحياتي الظلمة، كما لو كان النجاة.

"إن كان كابوسا فعلي أن أصحو حالا."

بعد لحظات من نفاذ آخر رمق من جهدي لانتشال نفسي من هذه الكارثة، وتسليمي باستحالة نفاذي بجلدي من هذا المأزق، أخذت اتلو الآيات والصلوات راجية آخر بصيص من الأمل في هذه الليلة الظلماء بينما تأبى دموعي التوقف عن الجريان، إلى أن عم النور أرجاء المكان، حتى أنني خلت أن يعميني لوهلة، كمن رمقت الضياء بعد أن أمضت سنينا في العتمة، كمن رأت النور لأول مرة.

ما إن تشتت التشويش من على شبكية عيني واتضحت رؤيتي حتى وقع بصري على منقذي الذي ماكان ليخطر على بالي حتى في أعمق أحلامي الوردية السعيدة، أهلا بالوغد! لا أخفيكم قولا أنني ما كنت لأكون أكثر سعادة برؤية خالي أكثر من ما أنا عليه الآن، بل لم أسعد بهذا القدر منذ وفاة عائلتي! حتى أنني أكاد أقفز لأعانقه بكل ما أوتيت من قوة، بل أنا على استعداد لأغفر له كل ضرر ألحقه بي وأصرف على إدمانه على الكحول وأمول جولات قماره الفاشلة مدى الحياة!

نحو الضياءحيث تعيش القصص. اكتشف الآن