[ ذكرى - الفصل الثاني والثلاثون ]

2.3K 215 516
                                    

تناولت قطعة الورق بين أناملي أتفحصها بحرص كما لو أن حياتي بأكلمها تتوقف على محتواها..

لكن كلما أمعنت النظر في تلك الخطوط كلما امتلأت يقينا بما يدور في ذهني..

أنا أعرف حق المعرفة لمن هذا الوشم..

حاولت أن أشفي صدمتي مهونة على نفسي باحتمال مشاركة ذوق جو البشع مع أشخاص غرباء مثله..

لكن أيعقل أن تتشابه الوشوم حتى في أخطائها؟!

ذلك الغراب البشع، وتلك الأرقام الأربع التي نقشت على غرب وشرق وشمال وجنوب تلك الساعة والتي دفع صانع الوشوم أصبعا من يمناه ثمنا لذلك الخطأ الذي اقترفه بخلطه لرقم ستة بخمسة.. لا يمكن أن يتشارك شخصان على وجه البسيطة شيئا كهذا..

أشعر بالدوار..

بالأرقام تدور وتلتف حولي في مشهد يكاد يفقدني عقلي..

أنا في دوامة تبتلعني إلى أن أكاد أن ألفظ أنفاسي ثم تطرحني خارجها لتقطع بي شوطا آخر إلى مالا نهاية..

أود طرد هذه الفكرة من رأسي..

انتزاعها واقتلاعها من جذورها..

لكن قطعة الورقة اللعينة لا تزيدها إلا ترسخا في ذهني..

بل تنقشها حرفا حرفا مخلفة نزيفا حادا في روحي التي أصابها الوهن..

جثوت على الأرض خائرة القوى بينما تملكتني برودة قاتلة أخذت أطرافي بالارتعاش على إثرها لأرفع بصري نحو نييل الذي أقبل نحوي وعلامات القلق تعلو وجهه لينحني نحوي قائلا أمرا لم يسعني سماعه..

لقد خدرت حواسي بالكامل كما لو أن المياه قد غمرت سمعي وبصري..

اضطرب جفناي محدقة به..

أتفحص ملامحه إنشا إنشا..

تلك العينان..

لاطالما كانتا مألوفتين لي..

إنه نفس لون عيني أمي التي ورثته عن جدي الراحل والتي بدورها أورثته لي..

ملامحه ولون شعره وبشرته الشاحبة..

كلها مألوفة غير غريبة عني..

كيف لم ألحظ هذا من قبل؟

استقمت بمساعدته بعد محاولتين فاشليتن بمفردي، ثم تمتمت بصوت تطلب مني دفعه خارج رئتي استنفاذ طاقتي بأكملها..

نحو الضياءحيث تعيش القصص. اكتشف الآن