◆◆◆
دعوني أروي لكم حكايتي من بدايتها؛ نشأت في عائلة بسيطة لا بالمترفة ولا بالمعوزة، كنت الإبنة الوحيدة في البيت ونوره كنت فخر والداي وقرة أعينهما، كنت مدللة أخي الأكبر و نصفه.
نشأت وفي نفسي يقين أن حاجتي لغيري ليست إلا مذلة، وأن طلب يد العون من الآخرين ليس سوي إشعار للضعف مني، ليس غرورا أو تعال بقدر ماهو استعفاف وقوة، فمازال بي عرق ينبض أبدا لن أتشبث بغير عزيمتي حتى لو كنت على بعد خطوة من موت محتم، كأنما كنت مدركة بل موقنة أن اليوم الذي لن أجد فيه إلا نفسي في قعر بئر يفصل بيني وبين فوهة الضياء أميال موشك على القدوم، كانما كنت ألقن نفسي أصول العيش دونما وجودي تحت رحمة أي بشر.
كنا نحيا في سلام وانسجام، لطالما صدقنا في قرارة أنفسنا أن عيشنا منفصلين لهو ضرب من ضروب المستحيل، لن نفترق ولن نتشتت، هكذا معا إلى مالانهاية. واجهنا صعاب الحياة معا، عشنا في غنى عن الخلق، وتعايشنا حتى حتى مع منغصي صفو الحياة من عائلة كل من أبي وأمي الذين اعتادوا وضعنا تحت المجهر، لسبب أو لآخر.
لازلت أذكر ذلك اليوم المشؤوم، يوم تخرجي من الثانوية، فرحتي بنيل تلك الشهادة المنشودة لم تدم طويلا، فسرعان ما انقلبت إلى شؤم لازلت أعاني تبعاته حتى يومنا هذا. لقد كان ذلك اليوم مصيبة حياتي بحق، اليوم الذي أخل بتوازن نفسي، ببساطة لقد كان أشبه بالهزة التي زلزلت كياني وألقت بي وحدي بعيدا لأبدأ طريقا شائكا بأقدام حافية، لازلت أذكر كل لحظة من لحظات تلك الفاجعة التي تسكن أعمق عمق في قلبي...
*
كنت عائدة إلي البيت، إلى عالمي الصغير، حيث حضن أمي، بسمة أبي وطيبة أخي بعد يوم طويل قضيته رفقة زملائي في حفل تخرجنا.
آآآه مابال الطريق يطول أريد بأقصى سرعة الوصول! أخذت أسرع الخطى نحو حفلتي الصغيرة، حيث كعك أمي اللذيذ ورائحة الشاي الفواحة، حيث هدياي، هاتفي الجديد الذي رمقت أبي يبتاعه إياي منذ أسبوع، قلادتي المزينة بزهرة كرز تعلوها ذرة ثلج وجدتها مخبأة في مزهرية غرفة أمي، ورسمتي وانا ذات السنوات الخمس التي أمسكت بأخي الذي كان منشغلا بتحبيرها والذي حاول جاهدا إخفاءها عني. أنا أسوأ من قد يقدمون له الهدايا بحق لطالما اعتدت على إفساد المفاجآت على نفسي.
وأخيرا وصلت إلى حينا الهادئ الذي تتوسطه حديقة من البرتقال والكرز والليمون، لكن مابالي أرى جيراننا يهرولون في اتجاه بيتنا مسرعين؟! ألأنهم علموا أني الأولى على مدرستي هذه السنة؟ أم لأنهم مدعوون؟ ومابال هذه الرائحة القوية؟
إنها أشبه بكعكتي التي أعددتها منذ أسبوعين، راودتني ضحكة خفيفة قاومتها بمشقة بعد أن تذكرت أني كنت قد أحرقتها حتى صارت أشد سوادا من الفحم. لابد أنها إحدى تجارب صوفي الفاشلة في استدراج عريس الغفلة بحلوياتها المشوية.بعد أن مر هذا المشهد في ذهني، فجأة اتسعت مقلة عيني، صعقت، شعرت ببرودة شديدة تنتشر في في كل فقرة من فقرات عمودي الفقري وتنميل في جميع أطرافي، بدأت أرتعش وأتمتم بشفتياي اللتان ترتعدان بردا وقد كستهما زرقة خفيفة كأنما كنا في كانون، لكننا في تموز الآن فأنا لي هذه البرودة بحق خالق السماء! بدأت قدماي تسوقانني بخطوات متخاذلة نحو بيتنا أرتجي أن مافي بالي ماهو إلا محض هلوسات. . .
أنت تقرأ
نحو الضياء
ChickLitوتلاشى الذنب بعد أن طرق يائسا أجراس الوحى.. إني واقعة في الحب.. ولم أدرك يوما أن الحب سم الضمير والعقل.. فإني لا أبصر الآن سوى نفسي رفقته بقية العمر..