لقد انتحبت كما لم أنتحب من قبل، حتى في سنواتي الأولى من حياتي.
لاشك أنني ذرفت لترا من الدموع تلك الليلة...بعد ساعات من رحيل ذلك الغريب، استيقظت ليلا بينما الكل نيام، قادتني خطاي المتخاذله نحو مرآة الحمام، وما إن وقع بصري على وجهي حتى شهقت حتى ماعادت رئتاي قادرة على استيعاب المزيد من الهواء، لقد كست وجنتي اليمنى عشر آثار أصابع زرقاء وأرجوانية كما لو كانت يدا لمخلوق خرافي، حاولت أن اتحسس تلك الكدمات المنتشرة هنا وهناك بأطراف أناملي لكن لسعة قوية كانت تسري في جسدي كلما لمستها، خارت قوى يداي مستسلمة لقوة الجاذبية بينما كنت أحدق في وجهي الذي تشوه بالكامل، وجهي الذي كان الجميع يتساءل عن سر صفائه وبياضه، وجهي الذي لطالما قبلت أمي خده، وجهي الذي لم يعرف أيا من هذه الملامح البائسة من قبل، فجأة دون إدراك مني بدأت دموعي تتساقط الواحدة تلو الأخرى وقد اتخذت سيلا مالحا مؤلما محرقا تلك الكدمات الطرية، بينما معدتي تعتصر كوني لم أحضى بأي وجبة اليوم، حتى أن لا رغبة لي في تناول أي شيء، كأنما فقدت رغبتي في الحياة متناسية حاجات جسدي، وعلى ذكر جسدي، لقد بت كتلة من العظام تكسوها طبقة رفيعة من الجلد، أقل ما يقال عني الآن أنني أبدو مرعبة.
توجهت إلى مكان نومي الشبيه بالعراء بعد خيبة عميقة تلقيتها من المرآة التي لو كانت شخصا لما احتملت للحظة النظر إلي، استقريت في فراشي محاولة لململة انكساري والتفكير في سبيل للخلاص، فردة فعل خالي تلك حينما أفصحت عن رفضي لذلك المصارع تثبت أنه قد اتخذ قراره بالفعل، كما أنني توصلت من خلال استراقي السمع أثناء حديثهم أنهما متورطان في عمل من نوع ما، وطبعا لن يكون عملا خيريا أو مشروعا نزيها على أي حال، كما يبدو أن المنزل هو أأمن مكان يتناقشان فيه، إذن فهما يخفيان أمرا ما على درجة من الخطورة وبالتالي علي مجاراة الأمر علني أجد مايمكنني الانتفاع به ثم الفرار، وطبعا أخذ خالي جزء من مالي لكنه كان بمحض إرادتي ولازلت أدخر مبلغا جيدا ولا يلزمني الآن سوى بعض الوقت وبالتأكيد التخلص من هذه الورطة.
للحظة تذكرت كلام سيلين عن الإقامة معها، ماذا عن سكن الطالبات؟ لما لا أترك كل شيء خلفي وافر بعيدا؟ لكن كيف لي أن أضمن أن خالي لن يتقدم بشكوى ضدي لإدارة السكن؟ كيف لفتاة تمتلك "منزلا" و"عائلة" بالفعل أن تقصد سكن الطالبات وتحرم من هن أشد حاجة له منها؟ والأهم من ذلك أن السكن متاح في الأيام الدراسية فقط أي أن علي أن أتدبر أمري أثناء العطل، فتكلفة الفنادق مرتفعة جدا هنا خصوصا أننا في مدينة سياحية، لكن الأهم من هذا كله هو أن أعرف ما يخطط ذلك الوغد.
أطبقت جفناي بسلام بعدما رتبت أفكاري وخططت لما سأفعله ليوم أو يومين إلى الأمام على الأقل وغططت في نوم عميق.
ما إن اهتز هاتفي تحت وسادتي على الساعة السابعة صباحا حتى هرعت دون إصدار أي صوت مرتدية ملابسي، مسرحة شعري، حاملة حقيبتي، هذا بعد أن أخفيت شيئا من تلك التشوهات بكريم الأساس الذي قدمته سيلين في الأمس لي، توجهت للمطالعة في مكتبة الجامعة بضع ساعات ثم اتجهت بعدها إلى مشغل الشركسية ثريا، وما إن خطوت نحو عتبة باب محلها حتى رمقتني بحزم فتقدمت نحوها والتوتر باد على وجهي بينما كنت أشابك بين أصابعي بارتباك مطأطأة الرأس.
أنت تقرأ
نحو الضياء
ChickLitوتلاشى الذنب بعد أن طرق يائسا أجراس الوحى.. إني واقعة في الحب.. ولم أدرك يوما أن الحب سم الضمير والعقل.. فإني لا أبصر الآن سوى نفسي رفقته بقية العمر..