[ عتمة - قص حبل الأمل - الفصل السابع ]

2.8K 317 106
                                    


أغمضت جفناي وقد نال الإرهاق مني، لم أصحو إلا على وقع خطوات أحدهم تقترب نحوي في العتمة رويدا رويدا، ملأني الهلع آنذاك وانتشرت البرودة في أطرافي، أخذت أحدث نفسي وأشاورها عما أفعل، لكن مالبث أن انقض علي ذلك المجهول بمخالبه على حين غرة غير تارك لي أي مجال للتفكير، معيقا إياي عن الحركة ببنيته الضخمة، حاولت إبعاده عني دون جدوى، لم يسعني آنذاك إلى إطلاق صرخة صامتة في الأرجاء، لكن صوتي الذي كان آخر حبل أمل أتمسك به خذل رجائي، لقد ذابت صرخاتي في حنجرتي قبل الوصول إلى ثغري.

أدركت حينها أن نهايتي قد حانت بالفعل، جحظت مقلتاي من سيل الدموع الجارف اليائس بعد أن نال مني الاستسلام، فلتغفر لي يا أبي لقد انتهى أمري... هذا كل ما ملأ ذهني آنذاك، إلى أن تداعى إلى بصري نور كاد يعميني، ملأت السعادة قلبي كمن رأى نور الشمس بعد سنين أمضاها في العتمة، كضرير يري الضياء لأول مرة! أخيرا! كان هذا آخر ماتفوهت به قبل أن أستيقظ لأجد نفسي أتصبب عرقا في فراشي، وقد تسللت إلى وجهي المبتل دمعا بضع أشعة من الشمس، قمت على عجل متفقدة نفسي مطلقة تنهيدة كما لو كنت أخوض سباقا ماراثونيا دام طوال الليل.

-حمدا لله، لم يكن إلا محظ كابوس فضيع...

قلت ذلك بعد أن علت ثغري بسمة شاحبة، والشرود يغمر بصري.
صدقا، لا أجمل من لحظة الاستيقاظ بعد كابوس مريع.

أدركت حينها أن حياتي البائسة هذه لهي جنة أمام مامررت به قبل قليل، تساقطت دموعي الواحدة تلو الاخرى التي أخذت أمسحها بأكمامي محاولة إخراس انتحابي دون جدوى بينما ينتفض جسدي الهزيل كصوص جريح، كطفلة أثقلت كاهلها هموم الحياة.

فأقبلت بثغر باسم على الحياة بعد ما مررت به هذه الليلة الظلماء، فلطالما لم أمر بما رأيته ليلة أمس في منامي والذي هو أشد بؤسا من حياتي هذه، فكل هذه الندبات التي اثخنت جسدي ستلتئم حتما ولو بعد سنين.

*

بعد أن نفضت غبار الأمس عن كتفي، صحوت أتنفس أملا، فنجاتي قريبة حتما! ولن أمر بما هو أسوأ من هذا على أي حال... فلطالما لاتزال عزيمتي تمنحني القوة للمضي قدما، لا أزال قادرة على الصمود! كما أنني على يقين أنني كفيلة لصيانة نفسي من بطش من هم في منزلي مادمت قادرة على ملء بطونهم وإدرار المال عليهم، كل شيء سيكون على مايرام!

توجهت إلى جامعتي تحت أنظار الطلبة المتوجسة، زارعين في قلبي شيئا من السوء، لكن لا بأس فلم يتبق الكثير أمامي، لقد شارفت على الوصول! قضيت يومي رفقة سيلين، تلك الصديقة الوحيدة التي أشاطر وإياها يتمنا، أطلعتها على تفاصيل حلم الأمس الدامي، أمسكت يدي بين أناملها وقد اغرورقت عيناها دمعا :

نحو الضياءحيث تعيش القصص. اكتشف الآن