قلت بحماس بعد أن فرغت من عملي:
-أجل! كل شيء جاهز الآن!
لكن فجأة، دون سابق إنذار، فتح الباب على مصراعية، ليكشف ذلك الشخص القابع خلفه، فغرت فاهي، أفلت الحزام من بين أصابعي، ثم شهقت حتى كدت أختنق...
دنا ذلك الشخص مني بضع خطوات والذي لم يكن سوى البغيض جان ابن الحثالة خالتي، رسم هذا الأخير بسمة يملؤها المكر، كوحش من أدغال السافانا يتربص بظبي صغير لا حول له ولا قوة، فرقع أصابعه مثبتا بصره علي قائلا:
-ماذا تفعل ابنة خالتي الصغيرة هنا؟ ابتسم متهكما ثم اردف: هل كنت في انتظاري شوقا لي؟ تقدم قليلا ثم فرد ذراعيه قائلا: ماذا عن عناق قصير ترحيبا بعودتي؟
ما الذي يتفوه به هذا الغول اللعين بحق خالق الجحيم؟ مهلا، ألا يتشارك هذه الغرفة الوغدان معا؟ لكن ألم يكن هذا السافل مسافرا منذ فترة؟ لم يسعني حتى أن أرتاح أثناء أيام غيابه القليلة، ما الذي عاد به بحق الإله! رباه، ما هذه الورطة التي أوقعت نفسي بها!
تراجعت للوراء بينما شابكت ذراعي كمن تحتضن نفسها ثم حاولت طرد صوتي من حنجرتي التي تكاد تنهار إثر ارتجافها هلعا:
-ل..قد كنت أنظف الغرفة فقط، لو خطر ببالي أنك ستعود اليوم لما دخلتها!
استجمعت قواي بعد أن أخذت نفسا عميقا وقد فردت كلتا يداي بينما أحكمت قبضي الصغيرة المرتعشة من شدة الارتباك محاولة تجاوزه والنفاذ من هذه الغرفة سالمة مهما كلفني الأمر!
بينما لم تعد إلا بضعة سنتمترات تفصلني عن المخرج وفجأة، وعلى حين غرة، أمسكت قبضة يده الضخمة بمعصمي النحيل، محدثا بي فوضى من الهلع، ما إن أقدم ذلك البغيض على هذه الفعلة حتى أدركت أن لا مفر لي، لم تمر بضع ثوان حتى جف حلقي تماما، أخذت أطرافي بالارتعاش، ثم بدأ جسدي البارد بالتصبب عرقا، ثم اكتسب وجهي شحوبا كمن رآى شبحا في منتصف الليل.
سحبني هذا الأخير نحوه، أمسك بذقني بيده الفولاذية، ثم وضع كلتا عينيه الوقحة في عيني كمن يتحداني أن أنجو، كمن ينفث في قلبي جرعات من اليأس، كمن يحثني على الاستسلام والرضوخ لمصيري في صمت، لقد قرأت مئاتا من النوايا القذرة خلف بؤبؤيه اللذان كانا يتخبطان في مقلتيه كمختل فاقد السيطرة على نفسه.
رفعت يدي واضعة بها آخر جزيئة طاقة أنتجها جسدي طوال اليوم محاولة تحرير نفسي من مخالب هذا الوحش الذي لن تجدي محاورته نفعا، ثم صفعته بأقوى مالدي، وما إن دوى صوت ارتطام أصابعي بوجتنه في كل ركن من أركان هذا المنزل حتى أفصح وجهه عن لوحة مرعبة يسهل قراءة الحنق والسخط في كل إنش منها!
أمسك هذا الأخير شعري الذي لا يتجاوز كتفي من أعمق جذوره بينما يتطاير الشرر من عينيه الملتهبتين محدقا بي بوعيد، أكاد أقسم أن عداد حياتي قد بدأ عده التنازلي معلنا عن هلاكي الوشيك منذ بدأ يقترب من وجهي شيئا فشيئا وأنفاسه المشبعة برائحة السجائر تكاد تجهز علي قبل أن يفعل هو، هنا بالضبط أدركت أن لا مهرب ولا مفر، لفد انتهى أمري بالفعل، أغمضت كلتا عيني وبدأت أتلو في الصلوات.
أنت تقرأ
نحو الضياء
Chick-Litوتلاشى الذنب بعد أن طرق يائسا أجراس الوحى.. إني واقعة في الحب.. ولم أدرك يوما أن الحب سم الضمير والعقل.. فإني لا أبصر الآن سوى نفسي رفقته بقية العمر..