مضى أسبوعان بالفعل، استنفذ كل يوم منهما بصري حتى آخر رشفة، إلى أن آل وضع رؤيتي إلى صورة مشوهة أشبه بإحدى لوحات بيكاسو؛ تمازجت فيها ألوان فاتحة عدة بأشباح قاتمة عبثا حاولت التأقلم مع وجودها..
أصحو كل يوم فزعة من فكرة أن العتمة أحاطت بي وابتلعت رؤيتي حتى آخر رمق ثم أحمد الله على بصيص النور الذي أبصره وإن كان مشوها، قبيحا، والأبشع؛ أنني مدركة أنه مؤقت زائل..
إلى أن انتهى بي الأمر بالإصابة بالهلع من الظلمة التي لا أزداد سوى غرقا في قعرها..
بات الظلام الذي لم أخشه حتى في سنيني الأولى من حياتي كابوسا يؤرق نومي..
الخوف الذي قضيت السنوات الماضية أصارعه بكل ما أوتيت ها هو ذا لصيقي الذي لايبارحني..
دعوني أحدثكم عن أبسط المهام التي اعتدت القيام بها دون تكبد عناء يذكر..
كالطبخ والتنظيف وترتيب المنزل، كي الملابس بل وحتى إعداد كوب شاي وقلي بيضة..
لقد غدت كلها شبه مستحيلة.
ناهيكم عن الرسم الذي فقدت فيه آخر آمالي..
وهكذا تسربت عشرات أحلامي الواحد تلو الآخر كالرمال من بين أصابعي بينما أرقبها بلا حيلة..
مما رسخ بداخلي رغبة في طبع قبلة على جبين كل من فقد نور بصره إكراما لقوة نفوسهم التي استمدت من نور البصيرة قنديلا تهتدي به في سبل الحياة الشاقة..
بينما أنا من لجأت بعد إخفاقاتي المتلاحقة إلى تحين فرص خروج نييل إلى العمل لطلب جل احتياجاتي من المحلات كالبقالة والمطاعم وما إلى ذلك بعد أن عزلت نفسي كليا داخل جدران البيت الذي رغم إلمامي بأدق تفاصيله وأجزائه، إلا أن التنقل داخله والقيام بمهمات الحياة اليومية بات من الصعوبة بمكان..
إلى أن حددت من حركتي في المكان خوفا من استئصال اصبع قدمي الأصغر عن طريق الخطأ والذي بت في أمس الحاجة إلى تزويده بخوذة خاصة بعد تكرر إصاباته البليغة..
وكم كان ذلك مؤلما رغم تفاهة المشهد.
كما حاولت قدر الامكان تقليل الاصطدام بالأشياء وبالتالي لفت انتباه ذلك القريب البعيد..
من اشتقته كالجحيم ولا حيلة لي لإطفاء هذا الشوق..
ومازاد الأمر سوءا هو محاولاتي الفاشلة في تشكيل ملامحه في مخيلتي التي أصابها العطب بعدما تدهور بصري..
إني أوشك على نسيان ملامحه التي اعتدت إمعان النظر في كل إنش منها عبر شاشة هاتفي قبل أن أخلد إلى النوم، تلك العادة التي تلاشت بتلاشي بصري..
بل تبددت ملامح عائلتي من ذهني كما لو كانت سرابا..
وهكذا استمرت الحياة في تجريدي من كل ماعز على قلبي ابتداء من عائلي، مرورا ببصري، ثم حبي الأول، انتهاء بصورته من ذهني أيضا..
أنت تقرأ
نحو الضياء
ChickLitوتلاشى الذنب بعد أن طرق يائسا أجراس الوحى.. إني واقعة في الحب.. ولم أدرك يوما أن الحب سم الضمير والعقل.. فإني لا أبصر الآن سوى نفسي رفقته بقية العمر..