-اوهكذا تجزين من يكفلك؟!
أخذت أفرك جفناي بظهر يدي محاولة توضيح التشويش الذي يعلو بصري، نظرت للواقف أمامي بتمعن، ثم أشحت ببصري عنه متذمرة على عجل.
-خسئت أيها الوغد، أوتقول هذا وانا الوحيدة التي تفني جسدها بالعمل طوال اليوم هنا وتخسر أموالها على عديمي النفع أمثالكم.
تفوهت بهذه الكلمات بهدوء، بل ببرود بصوت خافت وسط شرود بصري، بينما أنفض ثيابي، وأعتدل في مكاني.
من كان ليقول أنني سأكون قادرة على النطق بكلمة في وجه هذا الظالم وهو في عز نوبة سعره.
ألأنني مللت السكوت؟ أم أن الجنون نال من عقلي أخيرا؟! أو لربما أدركت أن حريتي باتت على مرمى أمتار معدودات مني، فلم أعد أمتلك شيئا لأخسره بعد الآن.بعد أن أخرست كلماتي الوحش الهائج الذي ينظر إلى بسخط، ابتسم بشر، انحنى إلى مستوى جلوسي، رفعني من ذراعي، ثم أمسك بيمناه فكي الذي أقسم أنه كاد يتهشم بين أصابعه، بينما أحكم قبضته على شعري، ثم خاطبني بنبرة يملؤها التهديد والوعيد:
-أرى أن لسانك طال بعض الشيء؟ ما رأيك أن أقص منه قليلا؟
ما إن انهى جملته الأخيرة، وقبل أن أتفوه بكلمة، حتى نلت منه صفعة أفقدت أذني اليمنى القدرة على السمع، أكاد أقسم أنها جعلتني اجوب أنحاء المجرة! عظيم! لقد أصيب سمعي بعطب فني ثمنا لشجاعتي المفاجئة، أنا لا أسمع الآن سوى الطنين وصوت تنفس الوغد المشوش.
على أي، لحسن الحظ لقد خلقت حسابا بنكيا خاصا لهذا اليوم السعيد، ارتديت نظارتي وأخذت أبحث في اغراضي المتراكمة على الأرضية، أخرجت من حقيبتي بطاقة الصراف الآلي وقدمتها له بوجه خال من التعابير ونظرة يملؤها الاشمئزاز، وضعها في جيبه بعد أن منحني ركلة في بطني تعبيرا عن امتنانه، حاولت جاهدة الصمود وتحمل الوجع مدعية الصلابة بينما لاأزال تحت ناظريه إلى أن سمعت ارتطام الباب بعد خروجه، ثم أخذت أتلوى بعدها في فراشي كمن يلفظ أنفاسه الأخيرة، لوهلة حسبت أن ساعتي قد حلت بالفعل والموت محقق لا محالة!
أتساءل كيف نجوت من الموت مع الهزال الذي يعانيه بدني الذي لا يتجاوز الأربعين كيلوغراما، لا شك أنني حفيدة أحد الأبطال الخارقين! جدي الأكبر، أنا أحبك!
لكن صدقا، مهما حاولت تصوير الألم الذي خلفته تلك الركله أجد نفسي عاجزة عن ذلك، كل ما أستطيع قوله أنني شعرت باعتصار عنيف دام بضع دقائق في معدتي وبقية أحشائي، إلى أن بدأت الدماء تتدفق خارج ثغري مع اختناق وسعال حاد مما زاد من الألم حدة، ثم انتشر شعور بالخدر في أطرافي مع وخزات مؤلمة تسري في كامل جسدي على شكل نبضات متوسطة السرعة...
لكن مهما بلغ هذا الألم لن يجاري ألمي جراء الذل الذي بت أرضاه على نفسي دون تحريك ساكن، آلمني حقا أن المال الذي تكبدت عناء الحصول عليه سيصرف الليلة على الكحول والمخدرات والنساء.
كل ما فكرت به آنذاك هو ضرورة الانسحاب من هذا الجحيم في أقرب فرصة، فقد بت أخشى المكوث هنا أطول من هذا، لا أريد أن ينتهي بي الأمر ملقاة في القمامة.
لم أتصور حينها أن خروجي من بيتي سيكون وشيكا جدا..
وضعت رأسي على وسادتي مجددا بعد أن جففت دمائي، ضممت جسدي الهزيل، أغمضت عيناي، ثم استلمتني ذاكرتي كعادتها، عادت بي إلى ماض لم يخطر لي فيه على بال أن المآل سيؤول بي إلى هذه الحياة البائسة.سالت دمعة أولى محرقة خدي المتورم إثر تلك الصفعة، ثم تلتها ثانية وثالثة من ثمة تسارعت الباقيات في ماراثون بائس صامت...
لطالما عمدت إلى البكاء حين تضيق بي دروب الحياة، لكن دموعي اليوم لم تزدني إلا احتراقا، لقد آلمني انتحابي الصامت حد الموت... لقد كنت اذرف الدموع بوهن، بقلة حيلة، لقد فاضت مقلتاي بضعفي الليلة...أغمضت جفناي وقد نال الارهاق مني، لم أستيقظ إلا على وقع خطوات أقدام أحدهم تقترب نحوي رويدا رويدا، ملأني الهلع آنذاك وانتشرت البرودة في أطرافي، أأستمر في التظاهر بالنوم أم استيقظ لأتعرف على القادم، بينما كنت تائهة أخير نفسي بين هذا وذاك انقض علي ضيفي الوافد غير تارك لي أي وقت لا للتصرف ولا للتفكير...
◆◆◆
• مارأيكم بهذا الفصل؟
• توقعاتكم للفصل القادم؟
• ملاحظة أو انتقاد أو تصحيح خطإ؟
أنت تقرأ
نحو الضياء
ChickLitوتلاشى الذنب بعد أن طرق يائسا أجراس الوحى.. إني واقعة في الحب.. ولم أدرك يوما أن الحب سم الضمير والعقل.. فإني لا أبصر الآن سوى نفسي رفقته بقية العمر..