كنت منصتة لكلام السيد روبينسون وبداخلي شعور بالريبة والشك تجاهه، حركات جسده والملامح التي تعتري محياه تفصح عن وجود شيء ما يخفيه، شيء كالخوف الذي زلزل بؤبؤيه، لم يخطر ببالي آنذاك سوى ذلك الوغد.
قاطعت ارتباكه بينما كان يتمتم بالأعذار بتوتر وشيء من الخجل:
-سيدي، هل تعرضت للأذى؟ لابد أن هذا بفعل حماقة ارتكبها خالي، أليس كذلك؟دمعت عينا هذا الرجل الطيب، خارت قواه بوهن على الكرسي الذي يبعد عنه بضع إنشات واضعا وجهه بين يديه كمن يحاول إخفاء دموعه قائلا:
-لقد جاء بالأمس، لقد سررت بزيارته حقا معتقدا أنه شخص لطيف مثلك لوان، لكن.. كما تعلمين عزيزتي، لدي طفلة، طالبة ثانوية، لقد هددني، لقد خشيت عليها منه، شرار بطشه كان يتطاير من عينيه... أقسم أني ماكنت لأخشى على نفسي لو خصني بتهديده، سامحيني يا ابنتي...
قاطعته بينما استعصى عليه إمساك نفسه مطلقا العنان لدمعاته والألم والسخط على ذلك الوغد يكاد يقتلع فؤادي، فأجبته مغرورقة العينين دمعا:
-أتفهم وضعك جيدا سيدي، هذا واجبك تجاه عائلتك، لكن هل لك أن تخبرني بكل ماقاله؟ فرغم بطش هذا الطاغية إلا أن حرماني من عملي ليس في صالحه.
مسح الطيب دموعه على عجل، ثم حاول إبداء شيء من الابتهاج على محياه ممسكا بيدي:
- لقد أخبرني قبل أن يرحل أن شخصا جيدا تقدم لخطبتك وما عاد هناك داع لك للعمل صغيرتي! لقد أخبرني أنك ستسرين لذلك لكن اقناعك عن التوقف عن العمل كان هو العائق الوحيد أمامه.
حسنا، لربما اعتدت بالفعل على إحضاره لي عرسانه عديمي النفع، لكنه أبدا لم يقدم على عمل كهذا من قبل، ولا أخفيكم قولا أن هذا بث بداخلي شيئا من القلق.
ربت على كتف المالك محاولة أن أهون الأمر عليه، فما باليد حيلة على أي حال، ثم خرجت من المحل بعد أن ودعت العاملين في جو كئيب بعض الشيء، ابتسمت ابتسامة شاحبة، ثم رفعت بصري نحو السماء، لقد تعرضت للضرب المبرح، آثار صفعة الأمس تشوه وجهي، أخذ مني مالي الذي تكبدت عناء ادخاره، مررت بكابوس مرعب، خسرت عملي، تمت موافقة خالي على خطبتي من شخص لا أعرفه ولا رغبة لي في معرفته أصلا، لقد حصل كل هذا في أقل من أربع وعشرين ساعة، ماذا بعد؟
أخذت أحذو الخطى عائدة إلى المنزل بينما أطرح عشرات الأسئلة عاجزة عن إيجاد جواب لأي منها، أدركت حينها أن حياتي خرجت عن السيطرة بالفعل، لقد بت أحيى فوضى عارمة، كلما حاولت ترتيب درج من أدراجها تتبعثر الأخرى مؤدية بي إلى الجنون.
رغم طول المسافة الفاصلة بين مكان إقامتي ومحل عملي سابقا إلا أنني فوجئت بوصولي دون وعي مني، لا بد أن ساقاي كانتا تسوقانني إلى قبري بينما كنت أغوص في أعمق جزء من عقلي، أخذت أتأمل مدخل المنزل مترددة غير قادرة على الولوج، كأنما استشعرت أمرا مريعا خلف هذا الباب في انتظاري، أمسكت مقبض الباب مطولا، ثم أدرته ببطء، متسللة إلى الداخل.
أنت تقرأ
نحو الضياء
ChickLitوتلاشى الذنب بعد أن طرق يائسا أجراس الوحى.. إني واقعة في الحب.. ولم أدرك يوما أن الحب سم الضمير والعقل.. فإني لا أبصر الآن سوى نفسي رفقته بقية العمر..