أشعر بالوهن والتعب ولا زال هذا اليوم لم ينتهي، كما لو أن الزمن توقف في أسوإ أيام حياتي بلا منازع..
"شكرا" كانت تلك الأحرف الأربع هي ماتمكنت من التفوه به رغم أن الغصة فككت الكلمة تفكيكا، ولم أنبس بحرف عدا ذلك منذ أن تم الاعلان عن إقصاء كلتينا بالتراضي، أنا وتلك البغيضة التي جعلتني أتكبد عواقب مالم أذنبه، صحيح أن السيدة جاكلين ردت شيئا من اعتباري بعد أن أفصحت عن كوني أول من سلمت تصاميمها، لكن لجنة التحكيم أقصتني بسبب إصراري على المرور بعدها، مما أثر على سمعة المنافسة بأكملها حسب قولهم.
أعترف بحماقتي. إذ لم أنوي أبدا أن تأخذ الأمور مسارا جنونيا على غفلة مني لأمنح عصبة الصحفيين الذين جاؤوا لتوثيق الحدث فرصة للعودة بأيد ملآى بحماقاتي أنا ونييل..
لكن أكثر ما أحبطني، آلمني، وكسرتي، هو أنني حرمت أملي الأخير في رد دين الأحمق الذي يستقر على المقعد المجاور لي..
لازالت تلك اللحظات البشعة تستعرض مرارا داخل ذهني، نظراتها التي كانت تفيض لي وعيدا، انهيار أعصابها وإلحاحها على نييل لإنكار تلك الكذبة التي أتى بها من المريخ، ودموعها التي كانت تجري على خديها كما لو لم تكن من جنت على نفسها، وعلى نفسها جنت براقش..
لن أنسى تلك اللحظة التي هزت أوصالي، حين دوى صوت الصفعة التي وجهتها والدتها إلى خد نييل مباشرة فور التقائنا عند مخرج مؤسسة المنافسة بينما كان يسحبني خلفه كالمسلوبة، فحملته كامل مسؤولية التأثير سلبا على صورة العائلة بدل الوقوف في صفها ومصلحة المجموعة وتهديده بصريح العبارة..
كان يرمقها بهدوء كما لو أنه قرأ المشهد مسبقا، كما لو أن كلماتها تعبر من خلاله، كما لو أنها غير موجودة أساسا، إلى أن غادرت بعد أن أمعنت بي النظر طويلا لتبصق على بعد انشات من حذائي..
ثم تبين لي أخيرا أن تلك المظاهر المخملية المبهرجة ماهي إلا تمويه يعمينا عن بشاعة الأرواح التي تتوارى خلفها..
التفت نحوه بهدوء لأتفحص حاله، كانت آثار تلك الصفعة لا تزال مطبوعة على خده وزادها شحوب بشرته وضوحا، لكنه بدا في ذروة ثباته كعادته كما لو أن شيئا لم يحدث، كأن ماوقع لا يعنيه، بينما أقف أنا على شفير الانهيار قلقا وخوفا عليه مني ومن نفسه..
أي حياة كان يعيش حتى فاء بهذا القدر من السكون..
شكل ماسبق مجتمعا كتلة محملة بالدموع كتمت أنفاسي لا تنتظر سوى ضغطة على الزناد لتنفجر في سد جارف لتفيض عن مقلتاي وصبري واحتمالي..
لم أنتبه لوصولنا إلى مبنى إقامتنا إلا بعد أن فتح الباب فجأة ليشير لي بالخروج، ترجلت في صمت مطبق متفادية التقاء أعيننا، وعلى هذا المنوال وصلنا حيث طابق إقامتنا دون أن ننبس بحرف، وما إن توجهت نحو شقتي عازمة على الاختلاء بنفسي وترتيب أفكاري في رفوف ذهني الفارغة حتى أجفلت على اعتراضه طريقي لأرفع رأسي نحوه مستفسرة ليخاطبني رافعا أحد حاجبيه:
أنت تقرأ
نحو الضياء
ChickLitوتلاشى الذنب بعد أن طرق يائسا أجراس الوحى.. إني واقعة في الحب.. ولم أدرك يوما أن الحب سم الضمير والعقل.. فإني لا أبصر الآن سوى نفسي رفقته بقية العمر..