[ لو كانوا - مداهمة - الفصل الحادي عشر ]

2.8K 280 133
                                    


أدركت حينها أننا لسنا إلا بيادق تلهو بها الحياة كما شاءت، جاعلة منا أضحوكة مهما بلغنا من الحكمة.

أسرعت الخطى نحو الجامعة وأمواج الأفكار تتقاذفني.

أيعقل أنني قمت للتو بأمر غبي إلى هذا الحد؟

لا أنكر شعوري بالندم آنذاك، حتى أنني فكرت في إعادة ذلك الشيء لصاحب المحل والتراجع عن كل خطوة أقدمت عليها منذ الأمس، أو حتى التوجه نحو خالي حالا والانفجار في وجهه قائلة:

"أرفض هذا الزواج! فلتخبر ذلك المصارع بكلامي واجعله يوسعك ضربا حتى الموت!"

لكن مهما ارتكبنا من أخطاء فادحة أو حماقات إلا أن لا وجود لخيار العودة إلى الوراء وتنظيف الفوضى التي تسببنا بها دونما تفكير في عواقب أفعالنا للأسف، هذه إحدى قوانين الحياة؛ أفعالنا كالحبر الذي ما إن يسري على الورق حتى يستحيل إمحاؤه.

هل أنا قادرة حقا على مجاراة مايحدث؟ ماذا إن كشف أمري؟ ثم ماذا إن كشفت مخططاتهم؟ هل سأكون قادرة على الوقوف في وجههم؟ ماذا إن كان الأمر متعلقا بي؟ ألن يجعلني هذا أكثر تورطا؟ هل سأكون قادرة على النجاة؟

أنا ضائعة.

أغمضت عيناي الشاردتين ثم فتحتهما محاولة التهوين عن نفسي ومنحها شيئا من الثبات وبث شيئ من القوة فيها.

لا وقت للندم الآن، علي المضي قدما! إلى متى سأحيا تحت رحمة من لا رحمة له؟! لن أصمد طويلا، كما أن سنة واحدة فقط تفصلني عن التخرج.

لم يتبق لي الآن سوى التخطيط لطريقة أضع بها تلك الأداة في مكان يجعلني في مأمن عن الشكوك، هذه هي المرحلة الأصعب والأكثر خطورة على الإطلاق، أبسط خطإ قد يعرضني للهلاك.

سلبتني فوضى الأفكار المتراكمة في رأسي الذي كاد ينفجر جاعلة إياي أغرق في شرود دام طوال الحصة، كلما حاولت تنظيم رفوف ذهني تنهار من جديد حتى بت على بعد مليمترات من الجنون.

بطريقة ما انتهى هذا اليوم الغريب قبل أن ألحظ ذاك حتى، كأن كل ساعة ودقيقة وثانية كانت تدفعني طوال اليوم لارتكاب حماقتي تلك، حتى أنني وجدتني أمام المنزل مباشرة بعد أن أيقظني بوق إحدى السيارات، أبدو كمجرمة تخطط للهرب من السجن، أو كمجنونة فرت للتو من المصحة، فجأة تمالكتني رغبة في الضحك.

"لابد أنني أصبت بالجنون."

قلتها في نفسي واضعة يدي على خاصرتي والأخرى أعلى جبيني بينما أحاول إخفاء وجهي المبتسم، هذه هي عادتي منذ طفولتي؛ كلما أوشكت على ارتكاب جريمة ما تراودني رغبة ملحة في الضحك.

أخذت نفسا عميقا، صفعت وجنتاي بخفة، رسمت وجها حازما على محياي، ثم دخلت البيت بثبات، ما إن وقع بصري على وجه خالي حتى أخذت أحدق به بشكل يثير الريبة كلصة تتربص بضحيتها، التفت هذا الأخير نحوي رامقا إياي بنظرة مشمئزة:

نحو الضياءحيث تعيش القصص. اكتشف الآن