وعيد - ارتجاف : الفصل الرابع والثلاثون

2K 222 317
                                    

العجز، قلة الحيلة والوقوف مكتوف الأيدي..

مشاعر أمقتها حسبت أنني اقتلعتها من نفسي وألقيت بها في الجحيم منذ زمن، منذ رحيل أمي، منذ أن تركت كل شيء خلفي، منذ أن خسرت آخر ماكنت أواجه الحياة لأجله، لكن ها أنا ذا أتجرع منها لترات منذ اختفائها لمايناهز الأسبوعين دون ترك طرف خيط يدلني على مكانها.

كما لو أنها ذابت، تبخرت، كانت سرابا تلاشى بينما كنت أنا المغفل الواثق كل الثقة أنني حصلت عليها..

أنا من كنت أختزل الأمتار بيننا بكل ما أوتيت من صبر موقنا أن المسافة التي تفصلني عنها باتت سنتمترات معدودة..

أنا من كنت واهما..

كانت تلك المكالمة هي آخر حديث دار بيننا قبل أن أتوصل بخبر استقالتها من الشركة فجأة دون أي مبرر واه كان أم مقنعا، لم أنفك طيلة فترة اختفائها عن البحث والتقصي عن مكانها دون جدوى..

كما لازالت تتجاهل مكالماتي إلى أن انتهى بها الأمر إلى إغلاق هاتفها، ولا أملك أن أؤاخذها على ذلك..

ومهما بلغ مني الغضب والحيرة فلا ألتمس لنفسي حقا للومها على اختفائها..

فبالعودة سنينا إلى الوراء أجد أنها كانت يوما في موقعي المثير للشفقة هذا..

أيا كان عذري آنذاك فأنا موقن أنه ماكان ليشفع لي التخلي عنها..

لكن الفرق بيننا أنها امتلكت الشجاعة لتواجهني وتعلمني برحيلها عكسي تماما، أنا من رحلت عنها دون ترك أثر يذكر بعد أن وعدتها بالعودة..

من كان يعلم أن في غضون بضع سنوات كانت حياتها ستغدو فوضى عارمة لتعيش ما لايخطر على بالي وما لا يعلمه سواها، بل وتستمر بكتمانه والتحفظ عليه والغوص في المتاعب برضاها رافضة أدنى إعانة..

واجهت مايكفي ليفرغ عينيها من كل حس ورغبة ويملأهما بفراغ شاسع كفيل بجعلي أضيع لأبدية فيهما..

نظراتها الفارغة التي لا توحي سوى أن الحياة داست قواها بكل ما أوتيت من صعاب وحملت ثنايا روحها بمالا تطيق من أسرار وجردتها من كل ماقد تخشى خسارته..

وكل ما أحوزه الآن هو الندم..

لكن لا يسعني إنكار أنني أكاد أفقد عقلي وليس بيدي كف نفسي عن القلق عليها..

تلك الحمقاء تخفي أكثر من شيء وأخال أنها وضعت نفسها في خطر لم تتمكن من الخروج منه..

لازالت تلك الطفلة التي تلقي بنفسها في الجحيم بكل إرادتها دون أدنى رغبة منها بالإستغاثة..

أي استغاثة..

أراهن أنها تفضل الاحتراق والتكتم والتحفظ على ذلك، بل وأن تخطو على الجمر على التمسك بيد العون وهذا كفيل ليجن جنوني..

نحو الضياءحيث تعيش القصص. اكتشف الآن