◆◆◆
بعد أن توالت محاولات الوغد بالتحرش بي، حاولت الاستعانة بجدتي لكنها لم تعر شكواي اهتماما، لوهلة شككت أنها وراء ذلك؛ فحتما لن تصل بها الغفلة إلى حد العمى على كل حال، فإن أعفيتها من واجب المصروف وأعمال المنزل، على الأقل عليها حمايتي من هذا الوحش الذي أجهل سبب قطونه هنا.
بعد أن افتقرت للاحساس بالامان الذي يعد أبسط شرط ينبغي توفره في أي سكن مهما كان، استعصى علي العيش هنا، فقررت أن أعمل بدوام جزئي في مخبزة مجاورة لجامعتي إضافة إلى عملي في مشغل الخياطة ثريا تأهبا لخروجي من هذا الجحيم في أي لحظة.
مرت ستة أشهر على نفس الحال وأنا أعمل كالمجنونة، ولكم أن تتصورا أنواع الذل والشقاء الذي مررت به طيلة هذه الفترة، لكن لازال هذا أهون من الهوان الذي ينتظرني كل ليلة في المنزل، فقد أمسى المبيت في غرفتي كالمبيت في العراء بفضل السكيرين اللذان ما إن يعودان فجرا حتى يبدآن في الشجار وتحطيم زجاج النوافذ واقتحام باب غرفتي مطالبين إياي بإعداد الفطور الذي يريانه عشاء، مع رشقي بأي شيء اعترض طريقهما، فردة حذاء، كوب، صحن، رغيف خبز الخ...
بينما كنت أخطط لمحاولة الخلاص من هذا العذاب، كنت لا أزال اضع الفلس على الفلس حارمة نفسي من أبسط ماتتمتع به بنات سني أو حتى الإنسان الطبيعي، حتى أني حرمت نفسي الوجبات الأساسية؛ إذ أن جدتي بدأت تقلل حصتي من الطعام تدريجيا إلى أن استغنيت عنها فما معنى أن أقدم لها رغيفا فتعطيني منه الفتات بحق خالق الجحيم؟ أفضل الموت جوعا على تناول طعام مر على كفيها!
كما أنني قللت ساعات نومي خشية أن يغمض لي جفن فيفعل بي ابن خالتي الأفاعيل، بعد أن كثر تردده على أرجاء جامعتي، وبعد أن بدأ يرمقني بنظرات لا مغزى لها، وبعد أن صارت تردني رسائل مشبوهة إلى هاتفي النقال...
مرت سنتي الجامعية الأولى مكللة بالنجاح لكن بمشقة الأنفس؛ إذ لطالما حاول خالي جاهدا أن يجعلني أترك الدراسه لأبدأ حياتي الزوجية رفقة صديقه العاطل أو الجزار ذو الأقزام السبعة، -أرجو المعذرة- أقصد ذو الأبناء السبعة الذي يكبرني أصغرهم بسنتين.
حتى أن الأمر قد وصل به إلى التعرض إلي في الحرم الجامعي وإلقاء أقذر الشتائم علي من ثمة إبراحي ضربا تحت مرأى و مسمع من زملائي وأساتذتي، حتى بات كل من في فصلي يخشاني، أشك أنني سأكون قادرة على إيجاد زوج جيد لي بعد الآن.فمازلت أذكر ذلك الشاب الخجول الذي اعتاد عل رض علي خدماته اللطيفة،
فلازلت أذكر زميلي الخجول الذي اعتاد التحديق بي، وما إن تلتقي أنظارنا حتى يشيح ببصره في استحياء، والذي لطالما عرض علي خدماته اللطيفة في مساعدتي على إيجاد المراجع الدراسية المناسبة، كما كان يصر على إيصالي إلى المنزل حين تتأخر المواصلات العامة، لكنني كنت أرفض محاولة رسم الحدود بيننا وطبعا خشية تعرضه للأذي بسببي، حسنا، لقد توقف عن كل ماسلف منذ فترة لسبب ما، كان ذلك مؤسفا قليلا، لكن لابأس، فأنا لا أحبب الاحتكاك بفئة الذكور على أي حال ، فكما قلت سلفا؛ حاجتي لغيري ماهي إلا عبء ثقيل علي.
*
إنه الصيف أخيرا، أنا في التاسعة عشر من عمري، لقد بات حلمي على مرأى من ناظري ، لقد ادخرت حصة جيدة من المال أستطيع توفير بضع أشهر من إيجار غرفة تؤويني بعد أن زجت بي جدتي إلى الممر القابع بجانب المطبخ بحجة أن خالتي الحامل تحتاج غرفة بها تهوية لينشأ حميلها بصحة جيدة والتي طلقها زوجها بعد أن أصابته بالجنون وأتلفت صحته إثر طقوس الشعوذة التي تمارسها على وجباته.أتساءل لما لم يجهز عليها حتى الآن؟ أقصد أن على الأقل ماكنت لأطرد من غرفتي، كان ليمضي بضع سنين في السجن فقط بعد إرسال وحيدة القرن زوجته إلى الجحيم ويعم السلام والسعادة العالم!!
الغريب أن تلك المجنونة تهتم بزيارة الطبيبة أسبوعيا ولا تتناول سوى الأسماك والدجاج والفواكه بحجة الوحم وضمان صحة الوغد الذي تحمله في أمعائها وكل ذلك من راتبي! بينما أنا التي كنت أرى أن الحياة دون تناول الشوكولا وعصير الفراولة والفطائر المحلاة ضربا من ضروب المستحيل، وها أنا ذي الآن لا أتغذى إلا على نصف رغيف يوميا، قطعة جبن أو كأس حليب في أكثر أيام الأسبوع حظا، تفاحة أحيانا وماء الحنفية المشبع بالكلور.
هه إنها ترجو المستحيل! أوتحلمين أن يكون خيرا من ابنك البكر الفاضل؟ بطنك القذر ذاك ماهو إلا مصنع للأوغاد والحثالة ياخالة!على أي ما كنت لأتجرأ أبدا على إلقاء هذا الكلام على مسامع وحيدة القرن، أحمد الله على نعمة الصوت والحوارات الداخلية، لولاها لانفجرت أو لزجوا بي في قارعة الطريق او في أقرب حاوية قمامة.
*
استيقظت اليوم على الساعة الرابعة صباحا على صوت خالي الأشبه بنهيق حمار فقد صوابه للتو، ما إن فتحت عيناي حتى وجدت جسدي ملقى أرضا، رفعت بصري المشوش نحو خالي الذي يكاد الشرار يتطاير من عينيه حنقا، أستطيع القول أنني بدأت أعتاد هذا الوضع، لا بد أنه تحت تأثير الكحول، أو أنه يريد المال مني مجددا.
-استيقظي أيتها الحثالة أوتحسبين أنك كنت لتخفين عملك عنا طويلا؟! افرغي ما في جيبك حالا أيتها الجاحدة!!
قال خالي ذلك والسعر يكاد يخرج على شكل رغوة من فمه.
أنت تقرأ
نحو الضياء
ChickLitوتلاشى الذنب بعد أن طرق يائسا أجراس الوحى.. إني واقعة في الحب.. ولم أدرك يوما أن الحب سم الضمير والعقل.. فإني لا أبصر الآن سوى نفسي رفقته بقية العمر..